مَنْ يحمي إمدادات النفط والغاز في الخليج؟

بعدما غَدَت مصافي النفط التابعة لشركة «آرامكو» شمال المملكة العربية السعودية في «أبقيق» وحقول «خُرَيص» عرضةً لهجماتٍ خطرة بالمُسيَّرات الجوّية (درونز) في 14 أيلول/ سبتمبر 2019، فَرَضَت التطوُّرات المُستجدّة باستخدام هذه العربات الصغيرة، إلى جانب صواريخ جوّالة وبالستية، واقعاً أمنياً جديداً يتطلّب أنظمة دفاعية جديدة متقدِّمة للتصدي لها.
وقد أعلنت جماعة الحوثي (أنصار الله) اليمنية المدعومة من إيران، وقوفها وراء هذه الهجمات، فيما أنكرت إيران أي تورُّط، لكنّ الولايات المتحدة الأميركية والمملكة العربية السعودية تعتقدان أنّ الصواريخ والمُسيَّرات أُطلِقَت من إيران.
وكان الحوثيون قد أطلقوا الصواريخ بنوعيها البالستية والجوالة والطائرات المُسيَّرَة مراراً نحو أهداف في المملكة العربية السعودية، التي تقود قوة التحالف العربي لإعادة اليمن إلى شرعيّته.
وإزاء هذا الوضع، هناك سؤالٌ مهمّ يطرح نفسه، كيف أمكنَ لتلك الهجمات أن تُنفَّذ من دون إسقَاط هذه المُسيَّرات بصواريخ سطح-جو Raytheon Patriot PAC-3 المصنعة في الولايات المتحدة؟ وعادةً ما يكون للمُسيَّرات الجوّية والصواريخ الجوّالة والبالستية بصمات رادارية صغيرة جداً تجعلها عصيّة على كشفها من قبل الدفاعات الجوية وقد يكون الهدف خارج نطاق تغطية الدفاعات الجوية. وتجدر الإشارة إلى أن قيادة الفضاء الأميركية لديها مدة ست دقائق فقط كإنذار مبكر لإبلاغ السعودية والإمارات قبل وصول الصواريخ التي يطلقها الحوثيون إلى أهدافها، كما أن أنظمة «باتريوت» Patriot، و«ثاد» THAAD، و«أيجيس» Aegis الأميركية قادرة على إسقاط الصواريخ البالستية.
ويمكن كحلٍّ بديل أن يتطلّع السعوديون للاستحواذ على أنظمةٍ بإمكانها التشويش على الوصلة بين المُسيَّرة الجوّية والمُشغِّل. وقد حَدَثَ ذلك في العام 2019 مثلاً في ليبيا حينما تمكَّن نظام تركي من إسقاط مُسيَّرة جوّية مسلّحة صينية الصنع من طراز Wing Loong II.
وبعد حادثة «أبقيق» بأقل من أسبوعين أعلنت الولايات المتحدة أنّه قد تمّ إرسال بطارية دفاع صاروخي واحدة من نوع Patriot إلى جانب أربعة رادارات Sentinel مرتكزة أرضاً إلى السعودية لتحسين دفاعاتها الجوية ورصد أي هجومٍ لعربات جوّية غير آهلة ومُسيَّرات وصواريخ جوّالة. كما أُمِرَ كادرٌ من المتخصِّصين في بطاريتَي Patriot إضافيتَين ونظام «الدفاع الجوّي للارتفاعات العالية الطرفيّة» (THAAD) للاستعداد للنشر السريع.
إلى جانب المملكة العربية السعودية، والكويت، والإمارات العربية المتحدة، وقطر، سَعَت مملكة البحرين أيضاً للحصول على بطارية دفاع جوي من نوع Patriot ووقّعت اتفاقية لشراء البطارية الأولى لها خلال زيارة ولي عهدها سلمان بن حمد آل خليفة ولقائه الرئيس الأميركي آنذاك دونالد ترامب في البيت الأبيض في شهر أيلول/سبتمبر من العام 2019.
وتجددت هذه الهجمات خلال العام الحالي وتحديداً في شهري كانون الثاني/يناير وأذار/مارس وكان لها ارتدادات على تدفق امدادات النفط وارتفاع أسعارها. واستهدفت الهجمات الحوثية للمرة الأولى اهدافاً حيوية وهامة في أبو ظبي ودبي وفي العمق السعودي ضد منشآت أرامكو في جدة، وجيزان، وأبها، وخميس مشيط. 
 

غَدَت مصافي النفط التابعة لشركة «آرامكو» شمال المملكة العربية السعودية في «أبقيق» وحقول «خُرَيص» عرضةً لهجماتٍ خطرة بالمُسيَّرات الجوّية (درونز)

نفذت الهجمات بصواريخ بالستية وجوالة وطائرات مسيرة إيرانية المصدر، وتزامنت منذ 24 شباط/فبراير 2022 مع الحرب الروسية ضد أوكرانيا. وحذرت السعودية من مخاطر خفض إنتاجها النفطي غداة هجمات الحوثيين. واعتبرت وزارة الطاقة السعودية أن هذه الهجمات تشكل تهديداً لأمن الإمدادات البترولية. وحضت المجتمع الدولي على الوقوف بحزم ضد هجمات المتمردين التي قد تؤدي إلى التأثير على قدرة المملكة الإنتاجية وعلى الوفاء بالتزاماتها. أما الولايات المتحدة، فوقفت في البدء موقف المتفرج، ولكن سرعان ما نددت بالهجمات على السعودية وأعلنت انها تواصل العمل مع حليفها السعودي لتعزيز دفاعاتها الجوية. وفي الوقت الذي يفترض فيه ان تكون أكثر عزماً في حماية هذه الإمدادات.       
وفي السابع عشر من كانون الثاني/يناير نفذ الحوثيون هجوماً على أبو ظبي بطائرات مسيرة استهدفت مصفاة النفط في المصفح ومطار أبو ظبي، أدى إلى سقوط قتلى وجرحى لاقت إدانات واسعة على المستويين الإقليمي والدولي. وهو الهجوم الأول من نوعه منذ العام 2019. ورداً على هذه العملية نفذ التحالف العربي الذي تقوده السعودية، ضربات عدة على الحوثيين ضد مواقعهم ومقار قياداتهم ومعاقلهم في صغاء اليمنية. تم الهجوم الحوثي في هذه العملية المسماة «إعصار اليمن» باستخدام صواريخ جوالة من نوع قدس 2 وذو الفقار البالستية. وبعد نحو أسبوع من عمليات المرحلة الأولى استهدفت طائرات مسيرة من طراز صماد 3 مواقع حيوية ومهمة في دبي وقاعدة الظفرة الجوية التي تضم قوات أميركية. وقالت وزارة الدفاع الإماراتية إنها اعترضت ودمرت صاروخين بالستيين أطلقهما الحوثيون من اليمن. وحول فشل أو بالأحرى عدم تصدي الدفاعات الجوية للمؤثرات الداهمة في الأجواء السعودية أفاد مصدر موثوق ان الرياض تعطي الأولوية للأهداف الأكثر أهمية مثل منشآت شركة ارامكو ومحطة دقيق والمطارات والقواعد العسكرية.
أعلنت حركة أنصار الله الحوثية في اليمن، إنها شنت ما مجموع 16 هجوما في 25 أذار/مارس استهدفت فيها منشآت نفطية حيوية في العمق السعودي شملت، منشآت شركة آرامكو في جده وينبع، ومنشآت حيوية في العاصمة السعودية الرياض بهطله من الطائرات المسيرة والصواريخ الجوالة. كما أنها قصفت أهدافاً حيوية وهامة، في مناطق جيزان، وطهران، وابها، وخميس مشيط. وتأتي هذه الهجمات عشية الذكرى السنوية السابعة لبدء عمليات القوات الشرعية أو تحديداً عمليات التحالف العربي بقيادة السعودية لمواجهة المتمردين الحوثيين المقربين من إيران.
ويأتي استهداف الحوثيين للمنشآت النفطية السعودية، بهذه الدرجة من التصعيد في مرحلة حساسة بالنسبة إلى سوق الطاقة العالمي وبخاصة سوق النفط وفق خبراء دوليين في الطاقة، إذ اثرت الحرب التي تشنها روسيا على أوكرانيا، والتي دخلت شهرها الثاني، على سوق النفط العالمي وأدت إلى ارتفاع أسعار النفط الخام بصورة غير مسبوقة، في وقت تمهد فيه أوروبا، البحث عن مصادر بديلة للنفط الروسي الذي تعتمد عليه بصورة كبيرة تمهيداً للاستغناء عنه، وعينها في ذلك على النفط السعودي الذي ربما يكون بديلاً. 
غير أن السعودية الغاضبة من انتهاج واشنطن سياسة المتفرج تجاه الهجمات التي تتعرض لها، في الوقت الذي تطالبها فيه بزيادة الإنتاج وخفض الأسعار، أكدت من جانبها، على أنها لن تتحمل مسؤولية أي نقص في إمدادات النفط للأسواق العالمية، في ظل الهجمات التي تتعرض لها منشآتها النفطية من قبل جماعة الحوثي.
وإلى ذلك، نقلت وكالة الأنباء السعودية، عن مصدر مسؤول في وزارة الخارجية السعودية قوله إن الهجمات التي تتعرض لها مواقع إنتاج البترول والغاز ومشتقاتهما، من قبل الحوثيين، تترتب عليها آثار وخيمة على قطاعات الإنتاج والمعالجة والتكرير وسوف يؤدي ذلك إلى التأثير على قدرة المملكة الإنتاجية. 
ومنذ بدء الأزمة الأوكرانية، تحض الدول الغربية «منظمة الدول المصدرة للنفط» OPEC بقيادة السعودية على زيادة إنتاجها لكن المملكة لم توافق على هذا المطلب وقررت المضي قُدُماً في تنفيذ تعهدات قطعتها لمجموعة «أوبيك بلاس» التي تضم روسيا ثاني أكبر مصدّر للنفط في العالم. وادعى العميد يحيى سريع المتحدث العسكري باسم الحوثيين، رداً على استمرار الحصار على اليمن... وتدشيناً للعام الثامن من صمود القوات الحوثية، تم كسر الحصار الثالث وذلك بدفعات من الصواريخ البالستية والجوالة والطائرات المسيرة علماً أن كم المؤثرات المستخدمة تزعج ولكنها لا تشكل خطراً استراتيجياً على دول الخليج.
وأشارت عدة تقارير إلى حالة من التبرم تلقاه واشنطن في الخليج، في ظل متابعتهم للمواقف الأميركية تجاه الحرب التي تشنها روسيا على أوكرانيا، وهو ما قد يعزز وفقاً للتقارير قلقهم من إمكانية التعويل على دعم حليفهم الأميركي في وقت الشدة وأيضاً في وقت تسود فيه، لدى حلفاء واشنطن في المنطقة، من قرب التوصل إلى اتفاق نووي بين طهران والدول الخمس دائمة العضوية في الأمم المتحدة زائد ألمانيا، واحتمالات رفع الحرس الثوري الإيراني من قائمة الإرهاب على أميركا وهو ما قد يؤدي إلى تدفق مليارات الدولارات إلى النظام الإيراني واستخدامها من قبل طهران لدعم وتعزيز النفوذ الإيراني في منطقة الخليج.
وقالت شبكة «فوكس نيوز» «إن الهجوم الصاروخي الذي شنه الحوثيون في الخامس والعشرين من أذار/مارس الفائت على مستودع نفطي سعودي كبير أدى إلى زيادة مشاعر الغضب والإحباط في أوساط العديد من الحلفاء الإقليميين الرئيسيين تجاه إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن.
وكانت تغريده للسيناتور الأميركي الجمهوري جيم ريتش كبير أعضاء لجنة العلاقات الدولية التابعة للكونغرس الأميركي قد أثارت مزيداً من التفاعل إذ انتقد فيها إدارة الرئيس جو بايدن بعد الهجوم الأخير للحوثيين على المنشآت النفطية السعودية. وقال ريتش في تغريدته: «في الوقت الذي تنظر به إدارة بايدن إلى رفع الحرس الثوري الإيراني، من قائمة الإرهاب، يقوم الحوثيون المدعومون من إيران في اليمن بمهاجمة شركائنا الخليجيين من دون عقاب... الإدارة (الأميركية) ساذجة بشكل خطير في مواصلتها السعي وراء اتفاق سيء مع إيران». 
يبدو أن الإدارة الأميركية غير جادة للوقوف بحزم ضد هجمات المتمردين التي قد تؤدي إلى التأثير على قدرة المملكة الإنتاجية وعلى الوفاء بالتزاماتها. واكتفت بالتنديد بهجمات جماعة الحوثي اليمنية على المنشآت النفطية التي اعتبرتها غير مقبولة. وأضاف: إن الولايات المتحدة الأميركية تواصل العمل مع السعودية لتعزيز دفاعاتها في وقت أصبحت فيه الحماية الدولية وبخاصة من قبل حلف الناتو أكثر من ضرورية.
وتدعو وثيقة الأمن القومي الأميركي على تدفق النفط بأمان وبأسعار معقولة ومساعدة الدول الحليفة والمتحالفة ضد أية هجمات عدائية، وعلى ضوء ذلك تشكل الهجمات التخريبية تهديداً مباشراً لأمن الإمدادات البترولية وبالتالي لا بد من تأمين هذه الإمدادات بهذه الظروف الصعبة التي تتصاعد فيها أسعار البترول بصورة جنونية. فالبترول مادة استراتيجية ولا بد من تأمين حماية استراتيجية دولية لها. وعلى صعيد آخر فإن دول مجلس التعاون الخليجي أبرمت اتفاقيات مع دول الدائمة العضوية في الأمم المتحدة تهدف إلى التدريب وتبادل الخبرات والدفاع عن الدولة عند الاقتضاء... وهنا نقول ليس على الدولة بل على إمدادات النفط!

أعلنت الولايات المتحدة أنّه قد تمّ إرسال بطارية دفاع صاروخي واحدة من نوع Patriot إلى جانب أربعة رادارات Sentinel مرتكزة أرضاً إلى السعودية لتحسين دفاعاتها الجوية ورصد أي هجومٍ لمُسيَّرات وصواريخ جوّالة وبالستية
الباب
تاريخ المقال
العدد
العدد حسب الاشهر
السنة
2022
رقم الصفحة
3

أخر المقالات