الصناعة الدفاعية: إلى أين؟!

تُعتَبر الأعمال في مجال الأمن القومي، من أوجه عديدة، أعمالاً لإدارة المخاطر. ففي الولايات المتحدة، يقوم رئيس «هيئة الأركان المشتركة» بإجراء تقييمٍ سنوي للمخاطر التي تطال قدرة الجيش الأميركي على تنفيذ «الاستراتيجية العسكرية القومية» كما أنّ هذه المخاطر تحتلّ الأولوية لدى القادة العملانيين العسكريين. ومن ثمّ فإنّ هذه المخاطر تُشكِّل هاجساً لأولئك المنخرطين في تطوير ومَيْدَنة قدرات عسكرية جديدة، في كلٍّ من الحكومة والصناعة.

وبما أنّ المخاطر في حقل الأمن القومي هي حقيقية وذات قيمةٍ أساسية ومسألة حياة وموت، وفي بعض الحالات مسألة بقاء من الناحيتَين التنظيمية المؤسّساتية والقومية، فمن الضروري إدارة المخاطر على نحو دقيق كي يتم تجنُّب النتائج السيئة. ويعني ذلك في بعض الحالات بناء قدرة على التعافي والتجدُّد في الأنظمة كي تتمكَّن طائرة، على سبيل المثال، تعرَّضت للضرر بسبب نيران العدو من استعادة قدرتها على التحليق والهبوط، والصمود لخوض قتالٍ في يومٍ آخر. لكن في حالاتٍ عديدة تكون المخاطر التي تطال الأمن القومي أقل أثراً من تهديد الأضرار الميدانية، وتكون الحلول للحدّ من المخاطر أقل وضوحاً.

ويُمثِّل تقييم المخاطر وإدارة المخاطر فنوناً تُتَّقَن في العديد من جوانب الأمن القومي. ومع ذلك، لا ينطبق هذا الأمر على جميع القطاعات. وتُبلي فِرَق العمل التي تُطوِّر أنظمة أسلحة جديدة عموماً بلاءً حسناً في تقييم ما هي المخاطر التي يُرجَّح أن تعود من نجاح برامجها. وفي بعض الأحيان تتمكَّن تلك الفِرَق من إدارة تلك المخاطر وفي أحيانٍ أخرى تعجز عن ذلك. لكنّنا مع ذلك ليس لدينا آليات ناضجة على نحو مماثل لتقييم المخاطر المنهجية التنظيمية في الصناعة الدفاعية.

وقد نفَّذَت القاعدة الصناعية لإدارة ترامب عملاً ناجحاً في تحديد مجموعة من المخاطر الجدّية في القاعدة الصناعية التي عَمِلَت من ثمّ على الحدّ منها، ولو بشيءٍ من النجاح. ومع ذلك، لم تكن هذه الإدارة قادرة على تقديم مقياسٍ فعلي لتقدير مستوى المخاطر الاستراتيجية التي تطال مجالات القاعدة الصناعية، ما يُمكِّن صُنَّاع السياسة من إدارة تلك المخاطر على نحو فعّال. وهذه مثلبةٌ مؤسفة تعود إلى ما قبل عهد الإدارة الحالية. وليس فقط أنّ الصناعة الدفاعية تُواجه مخاطر من مجموعةٍ من الأعداء المتَّسِمين بالخطورة والقدرات المتطوِّرة الذين يسعون إلى تخريب سلسلة إمداد الولايات المتحدة الأميركية وسرقة ملكيّتها الفكرية في هذا الشأن، بل أيضاً لأنّ التغيُّرات في الولايات المتحدة في تطوير أنظمة جديدة والاستحواذ عليها تُضيف أيضاً من المخاطر التي تواجهها الشركات الدفاعية.

وفي إطار اندفاع الجيش الأميركي نحو ابتكارٍ أكبر وجداول زمنية أقصر في عملية الاستحواذ على ما هو مستَجدّ في القطاع الدفاعي، فإنّه يتحوَّل بقوة نحو مقاربات مثل اتفاقية Other Transaction Authority (OTA)، التي غالباً ما تتطلّب مشاركة مخاطر الاستثمار مع الصناعة. ففي عمليات الاستحواذ الدفاعية التقليدية، عادةً ما تتحمَّل الحكومة كامل المخاطر المالية للإخفاق في برامج التطوير المثيرة للتحدّي، وتُعفِي الصناعة الدفاعية من تلك المخاطر. لكن بموجب مقاربات اتفاقية OTA، سيكون على الصناعة أن تُشارِك في بعض تلك المخاطر المالية. وإضافةً إلى المخاطر المتزايدة للخسارة المالية في البرامج التطويرية المعقَّدة، فإنّ استخدام النمذجة السريعة كمقاربة تطوير أوّلية (غالباً في بيئةٍ تنافسية حيث يخسر فيها منافِسٌ أو أكثر) يُعطي الصناعة أيضاً يقيناً أقل من أنّ الاستثمارات التي تُبذَل في تصميم وبناء نموذجٍ اختباري ستُثمِر عملاً إنتاجياً مستَتبعاً.

إذاً، فيما يُتوقَّع أنْ تتولَّى الصناعة حصةً مالية أكبر في الاستحصال على أعمالٍ حكومية، فإنّ المكافآت المتوقَّعة للقيام بذلك غَدَت أقل يقيناً. وفي هذا الخصوص، تُواجِه الصناعة الدفاعية مأزقاً مزدوجاً في مضاعفة المخاطر، وهي في بعض الحالات قد تتحمَّل العبء على نحو أكبر. وستختبر الشركات على نحو فردي كما يُرجَّح درجاتٍ متباينة من النجاح في إدارة مخاطرها، لكن إلى أي حدٍّ ستتم إضافة مخاطر تنظيمية إضافية على القاعدة الصناعية نتيجةً لذلك. وفي هذه المرحلة يبقى الجواب غير واضح.

هناك بالطبع وسائل لدى الصناعة لتخفيف هذا الشكل من المخاطر من جرّاء السياسة الحكومية. ففي الإجمال تواجه الصناعة هذه المخاطر إلى حدٍّ ما بمجرّد كونها في المجال الدفاعي في المقام الأول. وثمة وسيلة واحدة للحدّ من حدوث مخاطر مالية أكبر وعدم يقين في برامج الاستحواذ الدفاعي اليوم تكمن في الإفادة من الأبحاث وجهود التطوير التجارية لصالح تطبيقات الأمن القومي إلى درجةٍ أكبر. وتُخفِّض هذه المقاربة من حصة الاستثمار التي يتعيّن على الصناعة أن تتولَّاها في تطوير قدراتٍ جديدة خصوصاً في الشؤون الدفاعية، واستحداث إمكانيات لأسواق بديلة إذا لم يُقرِّر الجيش شراء أو المضي قُدُماً بأي نظامٍ بعد استكمال مرحلة تطوير النموذج الأول. وثمة خيار آخر يُرجَّح أن يحدّ من تلك المخاطر بالنسبة إلى الشركات هو في الاندماج، أو استحواذ شركاتٍ أخرى ذات تكنولوجياتٍ أساسية قد طوَّرتها بالفعل، وتحسين قدرتها على استيعاب وإدارة المخاطر على نطاقٍ أوسع واشمل.

فيما أمكن لمستوياتٍ أعلى من الاندماج في الصناعة أن يُخفِّف من المخاطر بالنسبة إلى الشركات الفردية، فمن المرجّح أن يُضاعف ذلك المخاطر المنهجية التنظيمية الإجمالية للعملاء الحكوميين ودافعِي الضرائب. وفي نهاية المطاف، فإنّ بعض المخاطر المتزايدة بفعل مقاربات الاستحواذ المتسارعة والشائعة اليوم لن تُشكِّل خطوةً تُخالِف تطلُّعات القادة العسكريين الطامحين لتطويرٍ أكثر سرعة لتكنولوجياتٍ جديدة. ومع ذلك، فإنّ القيادة الدفاعية ستُسدَى لها خدمة جليلة لكي تُراقِب عن كثب تلك المخاطر، وتُحدِّد ما الذي تبذله الصناعة للحدّ منها، وتطوير خيارات سياسة لإدارة المخاطر المنهجية التنظيمية في الصناعة الدفاعية.

الباب
تاريخ المقال
العدد
العدد حسب الاشهر
السنة
2020
رقم الصفحة
3

أخر المقالات