الرادار المعياري المتعدد المهام: ما زال قيد التطوير

المترجم

تؤدي الرادارات الميدانية أربع وظائف رئيسية: بإمكانها أن ترصد أفراداً أو عربات، أو طائرات، وصواريخ موجهة وقذائف هاون صاروخية» (RAM) وحتى تجهيز العربات لرصد الذخائر الداهمة. وتضطر الجيوش غالباً إلى نشر أنواع عديدة من الرادارات لدعم القوة المناورة، وربّما تتضمن «رادارات المراقبة الأرضية» (GSR) لرصد الأفراد، والعربات وبعض الطائرات المحلقة على علو منخفض من مثل «العربات الجوّية غير الآهلة» (UAV). ولا بد لتلك أن تُعزَّز برادارات مراقبة جوية مرتكزة أرضاً لرصد طائرات الأجنحة الثابتة والأخرى ذوات الأجنحة الدوارة المعادية، والعربات الجوية غير الآهلة على مسافات بعيدة، إلى جانب «رادارات تحديد موقع الأسلحة» (WLR) بغية رصد نيران «الهاون والمدفعية والقذائف الصاروخية» (RAM) الداهمة. وأخيراً، يمكن للعربات المدرعة أن تستخدم رادارات لرصد الذخائر الداهمة لكي تُنبه وتُنذر «أنظمة الحماية الذاتية النشطة للعربة» (AVSPS) الخاصة بها. ولكن لماذا لم يُطور مهندسو الرادارات راداراً معيارياً قابلاً للنشر يمكنه أن يُنفذ معظم، ما لم يكن كل، هذه المهام؟ أليس من شأن ذلك أن يوفر الكثير من ناحية الكلفة واللوجستيات المترتبة على نشر رادارات عديدة لهذا الصفيف من الأهداف؟

المهام المتعددة والتحدي العملاني

يلفت بيان مكتوب من شركة «رادا إلكترونيك إنداستريز» RADA Electronic Industries إلى أنّ هذه المهام المتنوعة من ناحية المراقبة والرصد «مقيدة بعوائق عملانية مختلفة جداً». ذلك لأنّها تنطوي على «أنواع مختلفة من الأهداف»، كما يقول بيان مكتوب من [الشركة الدنماركية المختصة برادارات «دوبلر» Doppler] «وايبل ساينتيفك» Weibel Scientific. فالأهداف التي يرصدها كل نوع من الرادارات تتحرك بطريقة خاصة: «إذا ما أخذنا هذا الواقع في عين الاعتبار، قد يكون من الصعب جداً حل كل تلك المهام في الوقت ذاته مع الرادار ذاته». ومهما يكن من أمر، يتحدث بيان مكتوب من شركة [رادارات المراقبة] «بلايتر» Blighter عن «توجه واضح نحو استخدام الرادارات المتعددة المهام»، ولو أنه حذر من أن المقاربة التي تتضمن السعي إلى تطوير «رادار بحجم واحد يلائم جميع المهام» إنما تشتمل حتماً على مساومات [في كفاية أداء الرادار ومشغله].
فعلى سبيل المثال، تؤكد شركة RADA أن رادارات المراقبة الأرضية لا تضع أولوية للتغطية الارتفاعية [مقابل السمت]، خلافاً لـ «رادارات المراقبة الجوية المرتكزة أرضاً» (GSR) التي يتعين عليها أن تحدد ارتفاعاً جوياً للهدف. وإضافة إلى ذلك، تلحظ شركة Weibel أنّ «للأهداف الأرضية بصمة رادارية صغيرة جداً»، وتضيف «تتحرك الأهداف ببطء شديد جداً مع خط نظر محدود، ما يعني أنه من الصعب حيازة وتعقب الأهداف التي تميل إلى الاختفاء بفعل تشويش أرضي».
ونتيجةً لذلك، تحتاج «رادارات المراقبة الأرضية» إلى استبانة «دوبلرية» (Doppler) عالية. فالرادارات تستفيد من «تأثير دوبلر» (Doppler Effect). وهذا التأثير، الذي سُمي تيمناً بعالِم الفيزياء النمسوي كريستيان دوبلر Christian Doppler، هو ظاهرة تتضاعف فيها نبضة الطاقة الكهرومغناطيسية التي يرسلها الرادار عندما ترتطم بهدف يتحرك نحوها. وعلى نحو مماثل، يتضاءل التردد إذا ما كان الهدف يتحرك بعيداً عن الرادار. وثمة مثال غالباً ما يُستشهد به هو الارتفاع الواضح في حدة صوت صفارة الإنذار في سيارة الشرطة وهي تقترب من مكان مراقب ثابت، وانخفاضها الواضح مع ابتعاد سيارة الشرطة عنه. ذلك لأن ذروة كل موجة «تردد راديوي» (RF)  يبثها الرادار تستغرق وقتاً أقل للوصول إلى الهوائي. وفيما يتحرك الهدف بعيداً تستغرق كل موجة وقتاً أطول للوصول إلى الرادار. فتزويد المراقب بوصف دقيق لمدى الهدف وسرعته هو خطوة ضرورية لرادار المراقبة الأرضية (GSR). فإذا ما افترضنا أنّ هناك عربة أو شخصاً ما يتحرك ببطء، فإن الحصول على استبانة Doppler دقيقة هو في غاية الأهمية لضمان أن يوفر «رادار المراقبة الأرضية» معلومات دقيقة، بحسب ما نوّه بيان لشركة RADA.
وتتطلب رادارات المراقبة الجوية المرتكزة أرضاً أيضاً استبانة Doppler عالية خصوصاً إذا ما استُخدمت لإدارة الرمي بغية توجيه صاروخ سطح-جو إلى هدف جوي حيثما تكون المعلومات الخاصة بالمدى والسرعة والاتجاه حاسمة جداً. وخلافاً لرادار المراقبة الأرضية، ينبغي على رادارات المراقبة الجوية أن توفر تغطية ارتفاعية، كما تضيف شركة RADA. في المقابل، يتعين أن تتميز «رادارات تحديد مواقع الأسلحة» (WLR) بمعدل مسح سريع. ويشير معدل المسح إلى عدد المرات في الدقيقة أو الثانية التي يُركز فيها الرادار على منطقة معينة. وذلك في غاية الأهمية لأنّ نيران «المدفعية والصواريخ غير الموجهة والهواوين» قد تنطلق بسرعات عالية جداً على نحو استثنائي وربما تقطع مسافات كبيرة في الفترات الفاصلة بين كل إضاءة وأخرى على الذخيرة الداهمة يقوم بها هوائي الرادار، على حد قول RADA. وأخيراً، تحتاج الرادارات المجهزة بـ «أنظمة الحماية الذاتية النشطة للعربة» (AVSPS) فحسب إلى تغطية مدى قصير نسبياً، خلافاً لرادارات المراقبة الجوية المرتكزة أرضاً، لكنها، على غرار «رادارت تحديد مواقع الأسلحة» (WLR)، تحتاج إلى أن تمسح بانتظام مساحة كبيرة حول العربة وفوقها بغية رصد وتعقب الذخائر الداهمة المنطلقة بسرعات عالية.
ومما يعقد الأمور أيضاً الهندسة المادية للرادار: فبقدر ما يكون هوائي الرادار كبيراً بقدر ما تكون أشعة الرادار أضيق، بغية تأمين تغطية حادة لهدف جوي ولو أنّ معدل سرعة المسح يكون منخفضاً. وهذا يبلي جيداً مع رادار المراقبة الجوية المرتكزة أرضاً لكنه «أقل ملاءمة للأمداء القصيرة التي تتطلب أشعة رادارية أعرض، ومعدلات مسح وتغطية ارتفاعية أعلى» كما يلحظ بيان شركة RADA.

يشكل رادار MHR من شركة RADA، العامل بالحيز S  جزءاً من نظام الدفاع الجوي القصير المدى المؤقت لدى الجيش الأميركي IM-SHORAD، وهو يتم تركيبه على الزوايا الأربع لعربات القتال المدرعة الثمانية الدفع من سلسلة General Dynamics M-1126 Stryker بغية رصد تهديدات محمولة جواً.
رادار معرّف برمجياً

كما هو الحال في عالم أجهزة الراديو التكتيكية، فإن اعتماد الهندسة المعرفة برمجياً في عالم الرادار قد أحدث ثورة في كيفية تأدية الأنظمة لمهامها. فالبرمجيات تضبط الرادار وتولد الشكل الموجي الملائم وفقاً للمهمة التي ينفذها الرادار. على سبيل المثال، إذا كان رادار مراقبة أرضية يحتاج فحسب إلى تعقب ورصد العربات وليس الأفراد، عندها يمكن للمشغل أن يختار هذا النمط التشغيلي العملاني ومن ثم تقوم برمجيات الرادار بالباقي.
وعلى الرغم من ذلك، لا يمكن اعتبار تطوير رادارات متعددة المهام يمكنها تنفيذ جميع المهام، كتلك المنوه عنها في مقدمة هذه المقالة، مسألة تتعلق فحسب بتخطي محدوديات ومعوقات المكونات المادية للرادار مثل حجم الهوائي، إنما ينطوي أيضاً على تجديد مقدرة الرادار على توليد الإشارات ومعالجتها. وباختصار، إننا نطلب من رادار واحد تأدية عدد كبير من المهام المختلفة في آن مع أشكال موجية مختلفة. فأي رادار يُفترض به أن يكون متعدد المهام حقاً سيحتاج إلى رصد وتعقب جميع الأهداف المنوه عنها أعلاه بالتزامن معاً وعبر مساحة كبيرة. والأهم من كل ذلك هو أنه ينبغي على الرادار أن يفرز ويصنف جميع الأصداء أو الإشعاعات التي يتلقاها من الأهداف التي يُضيء عليها: وتقول شركة RADA إن «هذه التحديات هي في غاية التعقيد»، حيث سيترتب على الرادار أعباء معالجة هائلة من كثرة الأصداء الرادارية التي يستقبلها من الأهداف. وفي نهاية المطاف، فإن «تطوير رادار متعدد الأغراض فعلياً يجمع معاً كل هذه المهام إنما يتطلب جهوداً تطويرية جبارة قبل أن يصبح واقعاً ملموساً»، على حد قول شركة Weibel. وتؤكد شركة Blighter بدورها: «ينبغي علينا أن نعتمد قدراً من الواقعية عندما يتعلق الأمر بالقدرة على تطوير رادار فعلي متعدد الأدوار يمكنه أن يحل جميع المهام على نحو متساو في أي وقت».

تؤكد شركة Weibel بأنّ سلسلة «إكزنتا» Xenta من رادارات الحيز X التي تصنعها، يمكنها أن تنفذ العديد من المهام المتباينة على نحو متزامن بما في ذلك رصد طائرات الأجنحة الثابتة والأخرى الدوارة

وثمة حل محتمل يتمثل في نشر رادارات بإمكانها أن تنفذ نوعين من المهام، بدلاً من جميع المهام المدرجة أعلاه، وهذا ما زال يساعد في خفض الأكلاف العملانية والأخرى الخاصة بالمشتريات، فضلاً عن الأعباء اللوجستية. وتؤكد شركة Weibel بأنّ سلسلة «إكزنتا» Xenta من رادارات الحيز X (8.5 جيغاهيرتز إلى 10.68 جيغاهيرتز) التي تصنعها، يمكنها أن تنفذ العديد من المهام المتباينة على نحو متزامن بما في ذلك رصد طائرات الأجنحة الثابتة والأخرى الدوارة. وعلى نحو متساو، يمكن تطوير الرادار على نحو أمثل لرصد العربات الجوية غير الآهلة «وأن يصار إلى تطوير وظيفية رصد نيران الصواريخ غير الموجهة والمدفعية والهواوين RAM بشكل مواز».
وثمة مخاطرة بأن يكون «الرادار المتكامل الرصد» الافتراضي عائقاً بدلاً من أن يكون مساعداً: «فإذا ما أمكن للرادار أن يرى جميع أنواع الأهداف في آن، فذلك يعني تزويد المشغل بكَم كبير من المعلومات، يكون من المحال استيعابها ومعالجتها»، كما تحذر شركة Weibel، وتضيف: «كيف يمكن للمشغل أن يكون قادراً على مناولة عدد كبير من مجموعات وأنواع الأهداف التي يقتضي الاشتباك معها بأسلحة مقتدرة ومختلفة؟».

رادار KuRFS الذي بإمكانه أن يرصد أفراداً أو عربات، أو طائرات، وصواريخ غير موجهة وقذائف مدفعية وهاون» (RAM).  الصورة: Raytheon
الحل في التشبيك؟

ربما يكون من الأجدى عملانياً استخدام اتصالات راديوية تقليدية لتشبيك صفيف من الرادارات في الميدان ودمج صورها الرادارية على التوالي بغية توليد صورة رادارية مفصلة عما يحدث في أرجاء الميدان، وتقول شركة RADA: «ربما يشكل صفيف رادارات تكتيكية، متصل ومتزامن على نحو أمثل، جزءاً من الحل». وتعتقد شركة Blighter أنّه يمكن تحقيق هذه المقاربة من خلال نشر رادارات «منخفضة الكلفة، وعالية الحركية» بإمكانها أن «ترسم صورة عملانية مشتركة متعددة المستشعرات، مدمجة ومرنة». وهناك حل محتمل اقترحته الشركة يتضمن نشر رادارات رقيقة وخفيفة الوزن [على شكل ألواح] تستخدم تكنولوجيا «صفيف المسح الإلكتروني النشط» (AESA)، فيما يجري إدماج جميع عناصر الإرسال، والاستقبال والمعالجة الرادارية في لوح راداري وحيد بهذه الصفات. ويمكن لمثل هذه الألواح أن تغطي سطح العربة الخارجي لتوفر مراقبة ورصداً لأهداف متنوعة من حول العربة. وبوسع العربة أن تشارك صورتها الرادارية للمساعدة في استحداث هذه الصورة المدمجة لمنطقة العمليات. وتحذر الشركة من أنّ صناعة مثل هذه الرادارات الخفيفة الوزن والرقيقة بما يكفي لتركيبها على سطح العربة قد يكون مثيراً للتحدي: «فعلى الرغم من تفاؤلنا في تطوير مثل هذه الرادارات، فإننا نعي تماما مدى الكلفة والعوائق من ناحية المكونات التي ستشكل عقبات في المدى المنظور»
وإضافة إلى ذلك، يتطلب التشبيك «حيّزاً عريضاً» Bandwidth. وهناك خطر فعلي من أن يُرهق تشبيك الرادارات معاً في الميدان «الحيّز العريض» شبكات الاتصالات المنتشرة. وهناك حل محتمل قد يتمثل في اعتماد تكنولوجيات ناشئة مثل البروتوكولات اللاسلكية الآمنة من الجيل الخامس التي تدخل الخدمة حالياً في العالمين المدني والتجاري، وتدعى اتصالات الموجة المليمترية بترددات 30 جيغاهيرتز وما فوق. وهذه البروتوكولات قد تتيح اتصالات بمعدلات نقل بيانات عالية من دون إرهاق الشبكات القائمة. ومع ذلك فإن دمج هذه الرادارات قد ينقلنا إلى المخاطر المحتملة ذاتها بأن يُرهق الرادار الوحيد المتعدد المهام كاهل المشغل بأعباء ثقيلة فوق طاقته. فأن يكون هناك مشغل وحيد يراقب الصورة الرادارية المدمجة من جميع تلك المستشعرات المتباينة إنما يستحدث مخاطر أن تتعرض «الطاقة البشرية على التحكم بالإرهاق والاستنزاف في وقت قصير جداً»، على حد تعبير شركة Weibel، التي تضيف: «إن ذلك ليس فحسب عائقاً تكنولوجياً، إنّما هو عائق عامل بشري أيضاً ينبغي التعامل معه».
وتبقى نقاط الضعف عاملاً آخر. فعلى غرار كل ما يبث «ترددات راديوية» (RF) في الميدان، تُعتبر الرادارات هدفاً محتملاً لهجوم إلكتروني وآخر بالأسلحة الحركية. ومن بين المخاطر التي تُحدق بأي رادار مفترض متكامل الرصد والمهام هو أن «معظم الرادارات الميدانية نشطة وبالتالي فإن بصمة إرسالها قابلة للرصد من مكان بعيد، مما يجعلها عرضة للهجوم ويعرض للخطر جميع المستشعرات المدمجة فيه»، كما تحذر Blighter. وتعتقد هذه الشركة أنه من الممكن تطوير رادار قادر على مناولة هذه المجموعة المرهقة من المهام في آن لكن «ليس من المرجح أن يكون ذلك هو الحل الأمثل عند النظر في جميع العناصر التي يتعين أن تتضافر معاً لأجل تحقيق النجاح المنشود في الميدان».

رادار   Spexer 2000  للحماية من الطائرات المحلقة على علو منخفض من مثل «العربات الجوّية غير الآهلة» (UAV). الصورة: HENSOLDT
المستخدم النهائي
تاريخ المقال
العدد
العدد حسب الاشهر
السنة
2022
رقم الصفحة
42

أخر المقالات