المستشعرات المحمولة جوّاً: تكنولوجيا نانونية لمتطلّبات المستقبل العملانية

إنّ المستشعرات المحمولة جوّاً هي المستلزمات الأساسية للطائرات المعاصرة، ويُمثِّل تطوُّرها عاملاً أساسياً من وجهتَي النظر التكنولوجية والعملانية على حدٍّ سواء. وكان من شأن المستوى المتزايد لـ «التصنيع الصُغَري» miniaturization لمكوّنات الكمبيوترات العالية الأداء وخفض أكلافها أنْ تُرجِمَ إلى تطوير عددٍ كبير من المستشعرات الأكثر ذكاءً والأشدّ اقتداراً، وهذا ما ألقت عليه الضوء المجلة المتخصِّصة «ميليتاري تكنولوجي» MT.

لا تزال الأنظمة الرادارية، والبحث والإنقاذ بالأشعة تحت الحمراء IR، و«الإنذار الراداري» RWR، و«الرؤية الأمامية بالأشعة تحت الحمراء» FLIR، والليزر، إضافة إلى كمبيوترات المهام، وأنظمة «التعرُّف على الصديق من العدو» IFF/، والاتصالات، ومكتبة البيانات، ونظام «شاشة العرض المركّبة على خوذة» HMD، والبرمجيات تُمثِّل نحو %60 من كلفة الطائرة القتالية. إنّ أنواع، وخصائص، ووظائف هذه الأنظمة معروفة تماماً، لكن من الضروري اليوم ليس تحسين خصائصها التقنية فحسب، بل أيضاً القيام بعملية إدماجٍ جذرية في الأنظمة على متن الطائرة لتحقيق إلمام أفضل بالوضع المحيط مع اهتمام خاص بدمج المستشعرات sensor fusion.

Airborne Sensor
Northrop Grumman

وتوفّر المستشعرات الحديثة معلومات حيوية على غرار: المعلومات الأوّلية للطيران، ومعلومات الملاحة، وبيانات المحرّك، وبيانات بدن الطائرة، وبيانات الإنذار والتصوير بالأشعة تحت الحمراء، والرادار، وبيانات المهمة التكتيكية، فضلاً عن تهديف الأسلحة.

ومن شأن تحقيق جميع هذه الوظائف أن تمدُّ الطيّار على نحو فعّال ومدروس بإدراك كامل للمحيط. وهذا يُمثِّل حتماً تحدّياً تكنولوجياً عالي المستوى. ومع ذلك، فإنّ صعوبات تصميم مستشعرات متقدّمة لا تتعلّق فحسب بالأداء المطلوب، بل أيضاً بالبيئة التي يتعيّن على تلك المستشعرات وإلكترونيات الطيران العمل فيها. وهي بيئة قاسية وشديدة التغيّر؛ فعلى سبيل المثال، يمكن لدرجة حرارة التشغيل أن تتباين عادةً بين -40 درجة مئوية و +70 درجة مئوية (وهي مواصفات نموذجية تتطلّب أداءً كاملاً للأنظمة على متن الطائرة على علو 20,000 قدم (6,000 متراً) في غضون دقيقتَين من الإقلاع في اي درجة حرارة).

كما أنّ التوافقية الكهرومغناطيسية هي في غاية الأهمية. ويتعيّن أن لا تتجاوز المستشعرات مستويات الانبعاثات المحدّدة لنطاقٍ عريضٍ جداً من التردُّدات الراديوية، ويتعيّن أيضاً أن تكون قادرة على تحمُّل ضربات الصواعق والبَرْق أو «نبضات كهرومغناطيسية» Electromagnetic Pulses (EMP) عالية جداً قد يكون مصدرها مثل هذه الصواعق أو أحدثتها أنظمة للعدو. إنّ الاهتزازات والتسارُع في الطائرة تكون أيضاً شديدة خلال التحليق والمناورات القتالية، وتفرض تحليلاً دقيقاً وحلاً تقنياً ملائماً بدءاً بالمراحل المبكرة لأي مشروعٍ لتطوير مثل هذه المستشعرات.

ومن أجل ملاقاة هذه المتطلّبات (إضافةً إلى أداء الأنظمة) يتطلّب الأمر اهتماماً خاصاً وحلولاً مبتكرة، ما يُضاعِف من تعقيدات تطوير هذه الأنظمة.

وفي مطلع العام 2016، طلب سلاح الجو الأميركي من الصناعة تطوير جيلٍ جديد من المستشعرات «البصرية الإلكترونية» EO والرادارية لرصد أهداف متحرّكة ومخفيّة. وكان التركيز منصبّاً على وجه الخصوص على مطلب لتطبيق مستشعرات محمولة جواً على غرار «نظام استخبارات إشارة» SIGINT و«استخبارات جيومكانية» GEOINT، باستخدام مستشعرات «بصرية إلكترونية/أشعة تحت الحمراء» EO/IR، وتكنولوجيات مستشعر تصوير متعدّد الأطياف multispectral/ فائق شامل لكامل الطيف الكهرومغناطيسي hyperspectral، ورادار المراقبة الأرضية، و«فيديو الحركة الكاملة»، و«مستشعر الضوء والمدى» LIDAR، وجميعها تتّسِم بأعلى مستوى من دمج البيانات. كما تمّ إيلاء اهتمامٍ خاص ببرمجيات الجيل الجديد، لأنّ دمج المستشعرات المتقدّمة والبيانات لا يكون متاحاً سوى بفضل برمجياتٍ متقدّمة وآمنة: وعلى وجه العموم، يتمثّل هدف تطوير البرمجيات في الاستحصال على برمجيات عالية الجودة إنّما تُلاقي المتطلّبات العسكرية وتكون خالية من الأخطاء، على الرغم من التعقيد. ولهذه الأسباب يطلب سلاح الجو الأميركي برمجياتٍ متقدّمة للتطبيقات التالية: إدارة المُدخِلات/ المُخرِجات، وإدارة هندسة المعالِجات الصُغَرية المتقدّمة، ومُلقِّمات بيانات loaders بالحيِّز العريض عالٍ/عالٍ جداً، ومنصّات كمبيوتر حسّاسة للتحكُّم، وتطوير برمجيات ADA.

Harris
 Dassault
المستقبل: مستشعرات تستند إلى مادة «الغرافين»

واليوم هناك وصلات جديدة ذات بُنَى نانوية تستند إلى «الغرافين/ البلاتينيوم» graphene/ platinum موزّعة فوق طبقاتٍ مختلفة يتم تصنيعها واستخدامها لتطبيقاتٍ في حقل تكنولوجيا المستشعرات، تُظهِر كيف أنّ مواد ذات بُنَى نانوية في أجهزة مدمجة - ذات «أنظمة كهروميكانيكة صُغَرية» MEMS - يمكن أن تستبدل أحدث المستشعرات التقليدية السائدة. وعلى وجه الخصوص، يمكن مع جمع المواد ذات البُنَى النانوية وأنظمة MEMS أن يتجاوز مدى الرصد المحدود، والحساسية المتدنّية والحجم الكبير التي لا تزال تؤثّر في المستشعرات التقليدية. وقد أُخضعِت المواد النانوية المدمجة في أنظمة كهروميكانيكة صُغَرية MEMS، بما في ذلك الأنابيب النانوية الكربونية، والأسلاك النانوية السيليكونية، والأسلاك النانوية من أكسيد المعادن، لاختباراتٍ ناجحة في تطبيقات مستشعرات عديدة بما في ذلك مستشعرات درجة الحرارة والضغط للتحكُّم بالمحرّك، وأنظمة الأشعة تحت الحمراء IR، والمستشعرات الغازية/ الكيميائية/ الأحيائية الكيميائية في أجهزة رصد عوامل «نووية وبيولوجية وكيميائية» NBC.

تشكل رقائق «الغرافين» الرقيقة الفائقة الدقة حلاً مثالياً للأجهزة ذات الأغشية الرقيقة إلى جانب مواد أشباه المُوصِلات الأخرى، على غرار السيليكون. وهي تُنتَج بطبقات ذرّية وحيدة أو بضع طبقات عبر ترسيب البخار الكيميائي (أو عبر معالجة المحلول)، ومن ثمّ يتم نقلها إلى الطبقة القاعدية. ويسمح تطوير التقنيات المستخدمة في عمليات الترسيب الكيميائي بخفضٍ متواصلٍ في أكلاف التصنيع. والنتيجة هي مستشعرات يسهُل صنعها، وتعمل بطاقة منخفضة، قادرة على العمل لاسلكياً، مع مقاومة كبيرة ضدّ «النبضات الكهرومغناطيسية» EMP، وبالإمكان أيضاً إدماجها في أجهزة أكثر تعقيداً.

وتُظهر الدراسات الاختبارية أنّ الرقائق الجديدة التي تستخدم مادة «الغرافين» هي أكثر حساسية بـ 200 مرّة من الرقائق التقليدية التي تستخدم السيليكون أو مادة «الإنديوم أنتيمونايد» indium antimonide. ويمكن لهذا المستوى المذهل من الحساسية أن يُخفّض معدّلات الخطأ خلال إرسال الإشارات، ويُخفِّض أيضاً الأكلاف لأنّ بعض الدارات (المطلوبة في الرقائق الحالية لتضخيم نوعٍ محدّد من الإشارات) يمكن الاستغناء عنها. وبفضل الطبقة القاعدية المصنوعة من مادة «نيترايد البورون» boronnitride، تُشكِّل الرقائق المستندة إلى «الغرافين» وصلةً بينيّة حيث يمكن للإلكترونات أن تتحرّك بسرعة كبيرة، كما بإمكانها أن تستجيب للحقول الكهرومغناطيسية بحساسية أكبر. وإضافةً إلى ذلك، تُظهِر المستشعرات المستندة إلى «الغرافين» أداءً مستقرّاً في جميع التغيُّرات الحرارية، ما يوفّر أداءً فائقاً حتى في درجات الحرارة العالية.

وعلاوة على ذلك، فإنّ كلفة «الغرافين» هي أقل بكثير من كلفة السيليكون، ويميل تطوير تقنيات التصنيع إلى خفضٍ متواصلٍ في الأكلاف. وعلى الرغم من أنّ الرمل هو مادة رخيصة جداً، لكنّ العمليات التكنولوجية العديدة المطلوبة للاستحصال على السيليكون منه تُضاعِف الأكلاف بشكلٍ كبير، بيدَ أنّ «الغرافين» يمكن استخراجه بسهولة من «الغرافيت» graphite. ويتمثَّل تحدّي الإنتاج في المستقبل القريب في إبقاء مادة «الغرافين» للمستشعرات مستقرّة ومتوافرة أيضاً في رقائق أكبر حجماً، لأنّ الصناعة ترغب في الرقائق الكبيرة كي تتمكّن من تقطيعها وصوغ شكلها من أجل خفض أكلافها.

وجديرٌ بالذكر أنّ من بين أبرز أنظمة الاستشعار المشتملة على هذه التقنيات الفائقة التطوُّر، مستشعر «الإنذار الراداري» و«إجراءات الدعم الإلكترونية والاستخبار الإلكتروني» AN/ALQ-218 RWR/ESM/ELINT من تطوير شركة «نورثروب غرومان» Northrop Grumman، وهذا النظام مركَّبٌ حالياً على متن طائرة الحرب الإلكترونية المنطلقة من على متن حاملات الطائرات EA-18G والطائرة العسكرية للحرب المضادة للغواصات، والحرب المضادة للسطح والاستخبار والمراقبة والاستطلاع P-8A من صنع شركة «بوينغ» Boeing، وكذلك طقم الحرب الإلكترونية الدفاعية المتقدّم المدمج ALQ-211 AIDEWS صنع «هاريس» Harris.

إنّ الطائرة المقاتلة الحديثة هي في جوهرها منصّة فائقة التعقيد والتطوُّر للمستشعرات وأنظمة الأسلحة. وينبغي على المستشعرات أن تضمن القدرات العملانية، وإدارة أنظمة الطائرة وأنظمة الأسلحة، وكذلك أن تضمن القدرات الهجومية والدفاعية على حدٍّ سواء، وجميع ما سبق في ظلّ السيناريوهات العملانية المعقّدة السائدة اليوم وتلك المتوقّعة في المستقبل. لذا فإنّ مشروع تطويرها هو ذو أهمية أساسية سواء للقدرة على البقاء أو لتنفيذ المهام: إنّ مواصلة تطوير سُبُل إدماج جميع المستشعرات بفضل تقنية «الدمج الاستشعاري» sensor fusion وتحقيق ثورة جديدة في سُبُل «التصنيع الصُغَري» miniaturisation الذي باتَ متاحاً بفعل الإلكترونيات النانوية إنّما يسمحان بتلبية الاحتياجات العملانية المستقبلية.^

 Su-27
FLIR
Micro-UAV
العدد
العدد حسب الاشهر
السنة
2018
رقم الصفحة
72

أخر المقالات