الواقع الافتراضي: محرِّكٌ للتغيير في التدريب العسكري

التغيير هو الثابت الجديد في عالم التدريب والمحاكاة، وكذلك لا ريب في حقلَي الترفيه والتعليم، وهما ما تستوحي أنظمة المحاكاة والتدريب العسكري لاستلهام أفضل الممارسات. فالمجال الافتراضي بدأ يُهيمن على عالم التدريب حيث أصبحت المحاكاة الوسيلة الأكثر وضوحاً للاستحصال على تدريبٍ موجِّهٍ بحسب المهام بكلفةٍ متاحة، بحسب نشرة «أم تي» MT العسكرية المتخصِّصة.

وتحتدم منافسة شديدة، حتى على مستوى الاستثمار، في اغتنام ذلك التغيير والخروج بابتكاراتٍ ودقّةٍ ومستويات واقعية أعلى بكثير. وعلى الرغم من أنّ حقول الجوفضاء والدفاع والأمن هي لا ريب أكثر تحفُّظاً وحتماً أكثر ابتعاداً عن خوف المخاطر من عالم الألعاب الفيديوية، حيث حتى فوائد «الواقع الافتراضي» Virtual Reality (VR) أخذت تصبح ذات تأثيراتٍ ملموسة: من بينها انخراطٍ متزايد للمتدرِّب، وإدارة أكثر فعالية للموارد، وكذلك - ما يُشنِّفُ آذان كلّ وزير دفاع على وجه المعمورة - كلفة امتلاك وتشغيل أقل.

وإذا ما عبّرنا عن ما وَرَد أعلاه بالمنطق العسكري، فنجدُ تلك المقولة التي يعكف مخطِّطو ومنفِّذو التدريب على تردادها منذ أكثر من عقد. فالمدرِّبون العسكريون يرغبون في الإفادة من الاستثمار الذي تقوم به الصناعات المدنيّة بما يصبُّ في منفعتهم، وهم يرون في ذلك ردَّ جميلٍ مشروع عن تلك السنوات الخوالي المجيدة حينما كانت وزارات الدفاع هي المصدر الرئيسي لتمويل الأبحاث والتطوير لهذا النوع من القدرة المتقدّمة. وهم يودُّون القيام بذلك في ظل تقشُّفٍ مالي، وإدارة مقيَّدة لموارد منكمشة، وتحدٍّ متزايدٍ لإشراك وتدريب وتجهيز جيلٍ جديد من المجنَّدين. إنّها ليست بالمهمة السهلة: خصوصاً تحت وَقْع المقولة السائدة للتعليمات «أنْجِز الكثير بما لديكَ من قليل» التي يُطلِقها المسؤولون العسكريون والماليون.

استجابة للتطوُّر الثقافي

على الرغم من الجدل القائل بأنّ «الواقع الافتراضي» VR لن يستبدِل بالكامل أبداً المكوِّنات الحيّة أو البنّاءة للتدريب «الحي والافتراضي والبنّاء» live, virtual, constructive (LVC) - ولا ينبغي ذلك - فإنّ هناك أسباباً تُوجِبُ الإفادة منه واستغلاله لتحقيق تدريبٍ هادفٍ دائم للجنود. ومن بين تلك الأسباب ضرورة التماشي مع التطوُّر الثقافي الذي حَدَث في المجتمع على مدى الأجيال الثلاثة الأخيرة.

وفي هذا يقول سكوت ديويس Scott Dewis، رئيس الشركة الكندية «رايس روكس ثري دي» RaceRocks 3D: «لا يسعنا أن نغفل بأنّك تُدرِّب مَنْ لديه أكثر من 10,000 ساعة من تجربة الألعاب ببلوغه سن الواحد والعشرين». ويكمن إبداع الشركة في حقل التأثيرات المرئية والأخرى الخاصة بالألعاب الفيديوية، لكنّ تركيزها الرئيسي حالياً هو في توظيف تلك الخبرة لحل المعضلات التي يواجهها المدرِّبون العسكريون. وقد فازت الشركة على وجه الخصوص بعقدٍ من «خدمات الأسطول الفيدرالي» في كندا لتوفير الحل التدريبي الكامل من «المرحلة 1» Tier 1 لـ «ناقلة النفط الاحتياطية» AOR الجديدة لدى البحرية الكندية RESOLVE.

ويعتمد الحل الجديد بشدّة على الواقع الافتراضي لتجاوز الاضطراب الإداركي الذي تُولِّده الصدمة المحتملة لدى المجنَّد الجديد عند رؤية محاكاةٍ هي أقل واقعية بكثير من الألعاب الفيديوية الذي اعتاد أن يلعبها على مدى سنين. والمقاربة بسيطة: يشير ديويس إلى أنّ «مفتاح ذلك يكمن في جعل التدريب ترفيهياً ومتَّسِماً بالانخراط على نحو أكثر - بأنْ تجعل المتدرِّب جزءاً من اللعبة من دون أن تُشكِّل التكنولوجيا عائقاً بالنسبة إليه».

وهذه المسألة - أي تحقيق طموحات وتوقُّعات المتدرِّب - لهي مسألة أساسية في الإفادة لأقصى حدّ من منافع «الواقع الافتراضي» VR. فمّما يكتسي أهمية كبيرة هو إشراك الذهن، وإقناع «ما دون الوعي» بتقبُّل بناءٍ افتراضي بكونه واقعاً - أقلّه لفترة وجيزة - ودعم «تصديق هذا الواقع الافتراضي»، سواء كان المتدرِّب يتعلّم على التحليق بطائرة، أو تقييم الإصابات في الميدان، أو إطلاق سلاح على نحو آمنٍ وفعّال.

وتصبح أهمية «الواقع الافتراضي» أكثر وضوحاً حينما نأخذ في الاعتبار الاتّجاه السائد حالياً نحو نقل فوائد المحاكاة إلى مجالاتٍ عدا التدريب، وتحديداً تخطيط المهام وإعدادها والتدرُّب عليها. وإدراج قدرات «الواقع الافتراضي» في منصّاتٍ مثل الطائرات والسفن البحرية أو العربات المدرّعة سيصبح النهج السائد في غضون سنواتٍ قليلة حيث تُمكِّن المستجدّات التكنولوجية مصمِّمي الأنظمة ومستخدمِيها من التفكير في القيام بأشياءٍ على نحو روتيني كانت صعبة بل مستحيلة حتى الآونة الأخيرة. وسيغدو «الواقع الافتراضي» مكوِّناً جوهرياً لكلّ تصميم نظام تدريبي يمكن تصوُّره - وثمة جدلٌ قوي ومشروع بأنّ ذلك سيكون الحال حيثما يمكن تحقيق التأثيرات المرجوة على نحو أكثر فعالية ممّا كانت عليه الحال من دون «الواقع الافتراضي».

وأفضل ما يُوظَّف «الواقع الافتراضي» في أوضاعٍ يكون فيها المتدرِّبون بحاجة إلى التعرُّف على حالاتٍ وأحداثٍ تعليمية صعبة ومستحيلة أو أكثر كلفة لتطبيقها باستخدام معدّات وأنظمة «حيّة». وفيما تصبح طائرات القتال أكثر كلفة، فإنّه حتى أغنى الدول تكاد لا تُفكِّر في الاستحواذ على عددٍ كافٍ لتشكيل أسطولٍ وافٍ جاهز للتدريب على السيناريوهات الكثيرة التي ينبغي على الطواقم الجوّية - وطواقم الصيانة - التهيُّؤ لها. والجنود الذين يعلمون خصائص أسلحتهم الفرديّة لا يحتاجون إلى الاعتياد على الانضباط الجسدي في التصويب، والتنفُّس، والرمي فحسب إلخ..، بل أيضاً يحتاجون إلى الزمان والمكان المناسبَين للتمرين وتحسين مهاراتهم في اتّخاذ الأحكام والقرارات. فالتدريب على الأسلحة يجب أن يتواصل من ناحية اتّخاذ قرار الرمي من عدمه كشأنه في دقّة الرمي. إنّ «الواقع الافتراضي» هو أداةٌ قوية جداً نحو تعزيز أداء الجندي، وقياس مدى التطوُّر والتحسُّن في ذلك.

LVC
CAE
استعِدْ، سدِّدْ، ارمِ ... اتّباع التعليمات أو الغريزة

 عَرَضت الشركة المتخصِّصة بأنظمة التدريب «ميغيت ترايننغ سيستمز» Meggitt Training Systems (MTS) حل التدريب على الأسلحة النارية FATS 100e، حيث أطلقته في السوق الأوروبية بعد طرحه على نحو ناجح وسريع في الولايات المتحدة. وبفضل استخدامه مزايا متقدّمة مثل مهارة الرمي الثلاثية الأبعاد في الألعاب الفيديوية، والتعريف المعزَّز للإحداثيات بتدريبٍ أوتوماتيكي ذكي وقدراتٍ تدريبية جماعية (حضيرة و/أو طاقم) تتمركز حول منشأة إدماج النسخة الثالثة من برمجيات «الميدان الافتراضي» للتدريب التكتيكي VBS3، يفيد نظام FATS 100e كلّياً من الهندسة المفتوحة لنظام FATS M100 الحالي.

وقال وين هينس Winn Hines، مدير «مبيعات النظام الافتراضي» لدى شركة MTS: «تُمثِّل بيئة تدريب الرامي الهدّاف خطوة مهمة إلى الأمام في قدرة التدريب». وممّا يستحقّ التذكير واقع أنّ المتدرِّب وموجِّه التعليمات على حدٍّ سواء يفيدون الآن من التضاريس والأهداف الشديدة التفاصيل والواقعية المرئية - وبالتالي التصدّي لمسألة التدريب المكثَّف وهو لعلّه الوظيفة الأساسية لـ «الواقع الافتراضي» بأبسط إمكانية تكراره.

فيمكن إدراج تأثيرات مناخية، وأحوالٍ مختلفة من ناحية الانقشاعية، وبيئاتٍ معرَّضة للرياح بسهولة في بيئةٍ تدريبية مكثَّفة تُحقِّق درجة أعلى بكثير من الانخراط والاشتباك لأفرادٍ ووحداتٍ صغيرة على حدٍّ سواء. وهذا بدوره يُسهِم في تأثيراتٍ تدريبية أسرع وأكثر مواظبة.

ويشير هينس إلى أنّ إطلاق قدرات نظام FATS 100e جاء نتيجة مباشرة لاطّلاعٍ مكثّفٍ على انخراط العملاء في السنوات الأخيرة، وأوضح: «أصغينا عن قُرب لما يقوله العملاء الحاليون والمحتملون وتبيَّنَ لنا جلّياً أنّ ثمة ثلاث أولويات رئيسية: إنّهم يرغبون بتدريبٍ مؤتمت، وينشدون رسومياتٍ محسَّنة، وكذلك يريدون أسلحة تدريبيةتُحاكي بارتدادها (بضغط هواءٍ متصل بالسلاح التدريبي) الأسلحة النارية الفعلية tethered weapon، واستدرك قائلاً: «هذا ما قد منحناهم إيّاه» (ويقصد بنظام التدريب بـ «الواقع الافتراضي» FATS 100e).

والنتيجة كانت زيادة ملموسة وقابلة للقياس في معدّلات النجاح الأولى في ميدان التدريب للمجنَّدين الجدد والمتدرِّبين الحديثي العهد مع الأسلحة الأوتوماتيكية الحديثة. ويقول هينس: «باستخدام هذا النظام للإثبات  للمتدرِّبين أنّ الارتداد ليس عملية مبالغاً فيها كما يتصوّرونه من مشاهدة الأفلام إنّما يساعد في التغلُّب بسرعة على أفكارٍ ذات حُكْمٍ مسبق»، ويضيف أنّ نظام FATS 100e يساعد على نحو كبير في مهمة وقاية المتدرِّبين من الجهد الذي سيُصادفونه لاحقاً في بيئةٍ عدائية.

وما يُشكِّل أهمية هو أنّ النظام لا يقتصر على أسلحةٍ بمستوى حضيرة، بل يشمل أيضاً أسلحة بمستوى طاقم على غرار مدافع الهاون، ومنصّات إطلاق قنابل أوتوماتيكية، ومدافع رشّاشة عيار 12.7 ملم - كلّها يمكن الإفادة منها بنَسَقٍ افتراضي داخل النظام. وبتكرار الخصائص الأصلية للأسلحة «الحيّة»، يمكن إعداد توفير التأثير التدريبي بما يتماشى مع أنماط التعليم الفردي فضلاً عن توفير تأثيرٍ تدريبي جماعي للفرق - يمكن توسيع نطاق النظام أُفقياً لتأمين خط رمي يصل إلى 40 قدماً.

Cubic
BAE Systems
الإدماج: أكثر من جَمْع الأجزاء

في ما يتعلّق بتدريب الجنود على الأسلحة، فإنّ أنظمة مثل FATS 100e تُشكِّل غرضاً ذا فائدةٍ ومنفعة قابلة للقياس، باستخدام خصائص «الواقع الافتراضي» VRفي البيئة التدريبية ومؤثِّرات مرئية لتحسين تجربة المتدرِّب، وتعزيز الانخراط ودعم تأثيرات التعلُّم الفردي مع الوقت. لكن ماذا عن النواحي الأشمل لتطبيق «الواقع الافتراضي» VR؟ وكيف من شأن إدماج «الواقع الافتراضي» في حلول التدريب القائمة والمتطوِّرة - وتخطيط المهام والتدرُّب أيضاً - أن يفيد المُستخدِم؟

هنا حيث ينبغي القيام بمناقشةٍ للطبيعة الحقيقية لـ «الواقع الافتراضي» - وما إذا كان حقّاً تقنية متمايزة من ناحية فَصْله عن المكوّنات الأخرى للمثلث التدريبي «الحي والافتراضي والبنّاء» LVC. فليس من المُحال الافتراض بأنّ الحدود بين هذه المجالات الثلاثة قد تلاشت في السنوات الأخيرة، لدرجة أنّ المخطَّط الجديد في حلول التدريب التفاعلي هو خطوة نحو إدماجٍ أكثر تقارباً، مع انتقالٍ أمثل في ما بينهما. على سبيل المثال، التدريب الميداني في بيئة افتراضية وتمارين المهام الخاصة باستخدام أنظمة تدريب بنّاء. وإذا ما سلّمنا بأنّ الممارسة الحالية التي تكاد تكون نذيراً دقيقاً للتطوُّر المستقبلي، فإنّ الاتّجاه نحو حلول تدريب «حي وافتراضي وبنّاءمدمج» I-LVC تبعث برسالة مهمة إلى المطوِّرين والمستخدمين على حدٍّ سواء: استخدموا «الواقع الافتراضي» حيثما يخدم الغرض، ويُسهِم في هدف التدريب، ويوفّر فوائد إضافية، مثل السعر المتاح وبصمة لوجستيات التدريب المخفّضة فضلاً عن الفوائد التعليمية المباشرة.

وتُبدي شركة CAE، إحدى القوى البارزة في النمذجة والمحاكاة للتطبيقات العسكرية، ثقةً عالية بأنّ الاهتمام العالمي بحلول I-LVC فعّالة ودينامية ومُجزية في كلفتها يتنامى سريعاً. وثمة حذرٌ متزايد بالطبع حيث إنّ المستخدمين يطلبون حلولاً في إطارٍ زمني ضيقٍ مضغوط ولا يسعهم الانتظار لسنوات لاستكمال التطوير: لذا يتعيّن أن تستند الحلول إلى فن الممكن حالياً، بدلاً من وعودٍ بوظيفيةٍ مستقبلية لقدرةٍ تقنية يتعيّن تطويرها. وينبغي على المطوِّرين أيضاً أن يكونوا على بيِّنة من الحتمية المتنامية لعملياتٍ مشتركة ومشتملة على انخراط دولٍ عديدة: نقتبس في ذلك قولاً لجنرالٍ هولندي كبير خلال إلقاء كلمة في مؤتمر «وكالة الدفاع الأوروبية» في معرض «يوروساتوري 2016» Eurosatory 2016: «جميع العمليات المستقبلية ستكون مشتركة. ليس بعضها، بل كلّها».

فما يُشكِّل ضرورةً هو التوافق التشغيلي للمعدّات، والتشاركية في التكتيكات والإجراءات ووجود درجة ضمنية مشتركة من التفاهم بين جنودٍ من مختلف الدول منخرطين في مثل هذه العمليات. إنّ «الواقع الافتراضي» VR يُشكِّل إحدى الأدوات التي من خلالها يمكن تعميم، ليس فقط الطبيعة المهمة لهذه الضرورة الحتمية المتنامية، بل أيضاً الوسيلة التي يتحقّق بها مثل هذا التفاهم، عبر الحدود القومية والعقائدية. فعلى سبيل المثال، يُدلِّل الاتّجاه نحو إدماج محاكاةٍ بنّاءة في الفضاء الميداني الافتراضي VBS3 شبه الشامل على أنّ المورِّدين يتفاعلون مع الطلب المتزايد من المستخدمين لمثل هذه الوظيفية عبر طيفٍ واسعٍ ومتنامٍ بسرعة من التطبيقات، من الحرب التقليدية مروراً بالعمليات في الأماكن الآهلة، وإدارة الكوارث ومهام الإغاثة الإنسانية وصولاً إلى البحث والإنقاذ القتالي.

ولعلّ حقل القتال الجوّي - أي الميدان الذي تُشتَهر به خبرة شركة CAE ويتم الإفادة منه بشكلٍ كبير في تكنولوجياتها وخبراتها وتطبيقها في الحلول التدريبية البرّية والبحرية -هو البيئة الأكثر تطلُّباً للتدريب العسكري. ولذلك يستدعي قسطاً كبيراً من الجدال والنقاش والتطوير حالياً. وتُشدِّد شركة CAE على جانب الإدماج بكونه قدرة أساسية تتطلّبها حلول التدريب المستقبلية. وقال مارك سانت هيلاير Marc St-Hilaire، مدير التكنولوجيا في الشركة: «تشتمل الحرب المعاصرة على جَمْع مجموعة من المنصّات والجنود وأنظمة الأسلحة لخوض القتال، لذا ينبغي على التدريب الهادف أن يعكس كيف ستخوض قوات الدفاع القتال». ويفرض الانكماش في الميزانيات على المُشغِّلين السعي إلى حلولٍ توفِّر طريقاً مُجزية من ناحية الكلفة لجهوزية المهام، وهو بدوره يتطلّب من هذه الحلول - لأنظمة الأسلحة والمنصّات المعاصرة ذات القدرات المتقدّمة - أنْ تُدمَج في بيئة تدريبية تتعدَّى نطاق حلول المحاكاة الحالية.

في الولايات المتحدة، تتوقَّع «رؤية التدريب المشترك الحي والافتراضي والبنّاء للعام 2020» Joint Live Virtual Constructive Vision 2020، التي طوّرتها «مديرية تطوير القوة المشتركة» J7 لـ «هيئة الأركان المشتركة» بأن تغدو أنظمة التدريب الافتراضي I-LVC سريعاً المعيار المعتمد في التدريب العسكري. وإذا ما كان ثمة حاجة إلى إثباتٍ بأنّ هذه الرؤية يجري تبنِّيها سريعاً من المجتمع العسكري ككلّ، فما علينا سوى التطلُّع إلى معرض I/ITSEC على مدى الأعوام الفائتة. فمبادرة Blended Warrior، التي تتضافر فيها جهود الحكومة والصناعة والمجتمع الأكاديمي لإيجاد حلول حقيقية وعَمَليّة لمتطلّبات حقيقية قائمة من خلال حلول تدريب «حي وافتراضي وبنّاء مدمج» I-LVC، قد وفَّرت منصّة إطلاق لجيلٍ جديد بالكامل من تطوير الحلول التي تراوح بين البسيطة والمعقّدة جداً.

ECA Group
Rheinmetall
نعم كلّه في البحر لكن بإيجابية!

تفرض البيئة البحرية مشكلاتٍ محدّدة على المدرِّبين حيث يتواصل تجنيد بحّارة مخضرمين بالخبرة يُشكِّل تحدّياً ماثلاً. والاستجابة الجزئية لدى بعض البحريات على ذلك تمثَّلت في تبنِّي تقنيات واقع افتراضي والإفادة من الفرص التي توفّرها بغية معالجة النقص في الخبرة. وتعكف البحرية الأميركية على تطوير «بيئة السفن الافتراضية التفاعلية» IVSE وذلك لصالح «سفن القتال الساحلي» LCS. وفي هذه البيئة، يتم وضع المتدرِّبين - خصوصاً أولئك الحديثي العهد إزاء مسائل التدريب البحري الرئيسية - داخل «سفينة قتال ساحلي افتراضية»، مع القدرة على التنقُّل في أرجاء السفينة ضمن محرِّك ألعاب فيديوية عالي الواقعية والتفاعل مع معدّات وأنظمة مبيتة. وسيكون بإمكان المتدرِّبين التمرن على أداء صيانة تخطيطية وتصحيحية، واصطفافات وتطوُّرات النظام بطريقةٍ وبخطى إنّما تتماشى مع القدرات المختلفة للأفراد في الوقت ذاته بما يستحدث تحسيناً جماعياً لأداء الفريق. وتُركِّز حلول التعليم الحديثة أكثر فأكثر على مسألة الأداء البشري المعقّدة، مؤكِّدةً أنّ الكائن البشري - لا المكوّنات المادية أو البرمجيات - هو الذي يكمن في صميم أي حلٍّ تدريبي ناجح. إنّ الواقع الافتراضي هو أداةٌ ممكِّنة أساسية للمدرِّبين والمطوِّرين لتفعيل حلولٍ مدمجة على نحو أمثل لتحقيق تأثيرٍ أقصى على تطوير الأداء.

وتُنظِّم الصناعة الدورة الهندسية التقنية Engineering Plant Technician Course، وهي جزءٌ أوّلي من «بيئة السفن الافتراضية التفاعلية» IVSE، وستليها دورات مراقبة الجهوزية والمتن وأنظمة الاحتياط Readiness Control Officer, Deck and Auxiliaries. أمّا الجزء الأخير من تلك البيئة - أي «دورات أنظمة القتال والعمليات والصيانة»، فسيُنفَّذ في العام 2019، في حين ستوفّر «بيئة السفن الافتراضية التفاعلية» IVSE مقاربة شاملة ومثالية لتدريب البحّار للجيل الأحدث من سفن السطح الحربية لدى البحرية الأميركية.

وفي إطار برنامج «التدريب للتأهيل» Train to Qualify لدى البحرية الأميركية، فإنّ البحّارة الذين يستكملون تدريباتهم على «بيئة السفن الافتراضية التفاعلية» IVSE سيمضون قُدُماً لاستخدام «أجهزة التدريب التكتيكي المدمج» Integrated Tactical Trainers (ITT) في أيٍّ من كلّيات البحرية الخاصة بتطوير «سفن القتال الساحلي» LCS. وتوفّر «أجهزة التدريب التكتيكي المدمج» ITT مزيجاً من البرمجيات التكتيكية الفعلية للسفن وأجهزة محاكاة أسلحة ومستشعرات تُمكِّن الأفراد والأسلحة وفرق القيادة من التدرُّب والتمرين في بيئةٍ شاطئية تُحاكي تلك المحمولة بحراً بأقرب ما يمكن. وكلّ جهاز تدريب تكتيكي مدمج ITT، باشتماله على برج ملاحة مدمج وبيئات قتال تكتيكي ومراقبة هندسية، يُمكِّن من إجراء التدريب في أي سيناريو وحيد على نحو متكامل، باستخدام مكثَّف لـ «الواقع الافتراضي».

وحتى في ظل هذه الميادين التدريبية التي تتطلّب تجسيداً مادياً للمزايا المحمولة على متن السفن - على غرار «أجهزة التدريب لمهام الخُلجان» Mission Bay Trainers (MBT) لسفن القتال الساحلي LCS - فإنّ مزايا «بيئة السفن الافتراضية التفاعلية» IVSE ستُعزِّز النتائج المستحصلة لممارسة إجراءات الإطلاق والاسترداد.

وفي شركة «كيوبيك غلوبال ديفنس» Cubic Global Defense، ينخرط إريك كار Eric Carr، نائب الرئيس ومدير عام «أنظمة التدريب المدمجة» لدى الشركة، بقوة في تطوير التدريب على سفن القتال الساحلي LCS منذ استهلال البرنامج. وهو يصف خصائص هذه المقاربة بكونها تستند إلى عملية التطوير المتكرِّرة «ازحَفْ، امشِ، اركضْ» crawl, walk, run. ويشير إلى أنّ «التدريب على الوظيفة» OJT الذي كان متَّبَعاً سابقاً في التدريب البحري من هذا النوع، لم يعد ينطبق: وذلك في الأساس لأنّ هناك حالياً نقصاً كبيراً في التصنيفات الأساسية المخضرمة لتوجيه وإرشاد المجندين الجدد الذين ينبغي عليهم التخلِّي عن تجربة تدريب OJT التقليدي. وتفاقمت المشكلة طبعاً بتخفيض أحجام الطواقم وما يرتبط به من زيادةٍ في أتمتة الأنظمة، وهي بدورها تزيد نطاق التعليم المطلوب للتمكُّن من تشغيل تلك الأنظمة على نحو فعّال.

وجاء حل شركة Cubic Global Defense نتيجة تطوير تعلُّمٍ تفاعلي يستند إلى الألعاب الفيديوية في ما يدعوه إريك كار «الابتعاد عن العادة المتَّبَعة تاريخياً». والشركة باعتمادها عناصر «ازحَفْ» من بيئة التدريب للسفن الافتراضية التفاعلية IVSE على هيئة معدّات تدريبية ومرافق تعليم إلكتروني أو عن بُعد، تستخدم المحاكاة وأجهزة تُحاكِي الإحساس لإمداد الطلاب بعناصر «امشِ واركضْ» في بيئةٍ تفاعلية واقعية. وباستخدام محرِّك الألعاب الفيديوية المتطوِّر Unreal Engine 4 ، تمكّنت الشركة، بحسب ما يقوله كار، من دفع نطاق الإمكانية التدريبية بقدر ما تسمح قدرات محرِّك الألعاب المذكور.

وعلى الجهة الأخرى من المحيط الأطلسي، وفي حوض بناء السفن «سكوتلاندس كلايديبانك» Scotland’s Clydebank، أخذت شركة «ب أيه إي سيستمز» BAE Systems مفهوم «الواقع الافتراضي» VR في اتّجاهٍ مختلف - لكنّه اتّجاهٌ لا يزال يُركِّز على تقييم وتعزيز الأداء. وفي فترة تغييرٍ وتطوير وَسَمَت أعمال السفن البحرية لصالح الشركة بمواجهة شركات أحواض بناء سفن هي الأكثر كفاية وفاعلية في العالم. وطوَّرت شركة BAE Systems طقم مؤثِّرات مرئية يفيد من جميع منافع «الواقع الافتراضي» لغرضٍ مختلفٍ قليلاً - لكنّه لا يقل أهمية.

من شأن إدارة تصميم وبناء سفنٍ معقّدة مثل حاملات الطائرات من فئة «كوين أليزابيث» QUEEN ELIZABETH و«سفينة القتال العالمية» Type 26 (GCS) أن فرض مطالب كبيرة على فرق التصميم والبناء. وفي الوقت ذاته، فإنّ روح الشراكة مع العملاء التي وَسَمَت البناء في هذَين البرنامجَين، مقرونةً بالمقاربة التراكبية للتصنيع (يعني أنّ الوحدات يمكن على الأغلب بناؤها في أحواض بناء سفن منفصلة على نحو متباعدٍ جداً في المسافة) قد أدّت إلى نشوء جماعةٍ من الأطراف المهتمين الذين وجدوا من الصعب الالتقاء على نحو منتظم كما هو مطلوب ضمن قيودٍ مالية وزمنية يتعيّن عليهم العمل بموجبها. لذا فإنّ استخدام طقم المؤثِّرات المرئية على غرار «أداة التصميم الافتراضي» يتَّسِم بفوائد كبيرة للعملية الصناعية ويُمكِّن ممثِّلي المستخدمين طرح جميع السيناريوهات المتوقَّعة مع مهندسي المورِّد وإدارة المشروع بجزءٍ من كلفة - من ناحيتَي الوقت والمال - عملية الإدارة التقليدية.

إذاً، إنّ «الواقع الافتراضي» ليس ببساطة «حلاً بارداً» غير ملموس لمسائل تزداد تعقيداً في التدريب، وجهوزية المهام، وإدارة البرنامج. إنّه مكوِّنٌ ناضجٌ وموثوق وقيِّم في التوليفة التدريبية، وهو مكوِّنٌ سيواصل إثبات جدراته. وبالتالي ينبغي التعامل مع «الواقع الافتراضي» على نحو ملائم: بصفته مكوِّناً لمقاربة متكاملة للتدريب إنّما تسعى للإفادة من جميع التكنولوجيات والوسائل المناسبة -لا كحلّ معزولٍ أو منفصل.

نظام التدريب على الأسلحة الخفيفة SITTAL. الصورة: RUAG
L-3 Link
المعرض
المستخدم النهائي
منتجات
العدد
العدد حسب الاشهر
السنة
2018
رقم الصفحة
70

أخر المقالات