مستقبل «الذخائر الحوامة المتسكّعة»: هل ستستبدل دبابات القتال الرئيسية والمنصات المدرّعة؟

المترجم

قبل أن تشهد الحرب في أوكرانيا استخدام «الذخائر الحوامة المتسكعة» Loitering Munitions (LM) لإحداث تأثير مدمّر ضد الدروع الروسية، كان فيلق مشاة البحرية الأميركية قد قرر استبدال دباباته، ومدافع الهاون والمدفعية المقطورة لديه بذخائر دقيقة بعيدة المدى. لكن ماذا يعني هذا القرار في الدعم الناري من كثب؟ هذا ما يجيب عليه المحرر العسكري بيتر أونغ في المجلة المتخصصة «ديفنس بروكيورمانت إنترناشونال».

تميل رؤية قائد «فيلق مشاة البحرية الأميركية» (USMC) الجنرال دايفيد أتش. بيرغر (David H. Berger) لردع الأنداد من الدول في منطقة «قيادة المحيطين الهندي والهادئ» بالوسائل غير التقليدية أكثر من الأسلحة التقليدية المشتركة المجنزرة التي تشتمل على تدريع ثقيل وقوات مشاة.
وبالتالي، أحال «فيلق مشاة البحرية الأميركية» في العام 2020 «دبابات القتال الرئيسية» (MBT) لديه من طراز MIAI Abrams ومدفعية الهاوتزر المقطورة M777 عيار 155 ملم على التقاعد واستبدلها بـ «ذخائر الحماية البعيدة المدى» (LRPF) و«الصواريخ المضادة للسفن» من أجل تأمين الردع ضد عمليات إنزال الزوارق البرمائية المعادية في منطقة المحيطين الهندي والهادئ.
وقيل إنّ قرار بيرغر قد أثار استياء بعض قيادات «فيلق مشاة البحرية الأميركية» المتقاعدين الذين أثاروا تساؤلات حول الحجة المنطقية التي تبرر التخلص من قدرات مجربة ميدانياً لصالح تكنولوجيات ناشئة مثل «الذخائر الحوامة المتسكعة»، وهي شكل من الذخائر الدقيقة التي تجمع معاً «عربة جوية غير آهلة» (UAV) وصاروخ موجه مضاد للدبابات. وتعود فكرة «الذخائر الحوامة المتسكعة» إلى ثمانينات القرن الماضي، لكن استخدامها لم يصبح واسع الانتشار إلا في الآونة الأخيرة في نزاعات مثل حرب «ناغورنو-كاراباخ» خلال العام 2020 بين أذربيجان وأرمينيا والحرب المستمرة في أوكرانيا.
واستطلعت مجلة Defence Procurement International آراء هيئة أركان «فيلق مشاة البحرية الأميركية» الحاليين والمتقاعدين للحصول على آرائهم في هذا المجال، لكنهم لم يستجيبوا في الوقت المناسب. ومع ذلك، انبرى المحلّلان مارك كانسيان، وهو مستشار كبير لدى «برنامج الأمن الدولي» في «مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية» (CSIS)، وداكوتا وود، الباحث الكبير للبرامج الدفاعية في «هاريتيج فوندايشين»، وهما عقيدان متقاعدان من «فيلق مشاة البحرية الأميركية»، إلى المساعدة في توضيح المبرر المنطقي خلف رؤية بيرغر، وما إذا كانت أخذت في عين الاعتبار كيفية استخدام ذخائر LM في الحرب الدائرة في أوكرانيا.

«الذخائر الحوامة المتسكعة» صنع Rheinmetall

ومن بين أبرز مزايا «الذخائر الحوامة المتسكعة» هي أنها أقل كلفة من الطائرات الآهلة، بحسب وود: «وبالتالي يمكن شراؤها بكميات أكبر. وباستخدامها بأعداد كبيرة وتوظيفها بمختلف محاور الهجوم، حيث تجعل الدفاع ضدها أكثر صعوبة. وهي تمثل أهدافاً أصغر وأصعب من أن تُرصد. ومع ذلك، يبقى وزنها محدوداً، وبالتالي لا يسعها أن تنقل ذخيرة ثقيلة كمثل ما تنقله الطائرات. كما أن مداها محدود».
ويمكن تصنيف «الذخائر الحوامة المتسكعة» (LM) إلى فئتين - «تكتيكية» و«استراتيجية». فذخائر LM «التكتيكية» صغيرة وخفيفة بما يكفي لتسهيل نقلها عبر حقيبة ظهر أو مشياً على الأقدام ويمكن استخدامها ضد المشاة، والتدريع الخفيف، والعربات ذات السقف القماشي، والتحصينات. أما ذخائر LM «الاستراتيجية» فهي أكبر حجماً وتتطلب عربة مدولبة أو مجنزرة - آهلة أو غير آهلة - لنقلها وإطلاقها. وغالباً ما تستخدم ذخائر LM «الاستراتيجية» ضد أهداف مهمة محصنة ومقواة أو كبيرة، أو حيثما تكون مسافة الهدف أبعد مما يمكن لذخيرة LM «التكتيكية» أن تصل إليه.
هل يمكن لـ «الذخائر الحوامة المتسكعة» أن تستبدل الدبابات؟
تتمثل الانتقادات الرئيسية لميدنة «الذخائر الحوامة المتسكعة» في الخوف المحتمل من أن تستبدل «الذخائر الدقيقة البعيدة المدى» في الدعم الناري من كثب، وتحديداً المدافع عيار 120 ملم الخاصة بدبابات القتال الرئيسية M1A2 Abrams MBT لدى «فيلق مشاة البحرية الأميركية». ويقول كانسيان إنّ ذخائر LM لا تُشكّل بديلاً للدبابات. ومع ذلك يجادل «فيلق مشاة البحرية» بأن الدبابات هي من الناحية اللوجستية مصدر عبء ثقيل، وعرضة للاستهداف، ولا حاجة لها لذلك النوع من القتال الاستطلاعي/ المشتمل على رمي بعيد المدى الذي يتصور «فيلق مشاة البحرية» حدوثه في المستقبل، بحسب ما أضاف: «ذلك النوع من المعارك لا يحتاج إلى قوة نيران من كثب وحماية تدريعية. وبدلاً من ذلك، ثمة تصور بأن تستبدل ذخائر LM مدافع الهاون والمدافع التقليدية».
وفيما يعتقد الجيش الأميركي أن «أنظمة الحماية النشطة» Active Protection Systems وغيرها من التحسينات ستُبقي التدريع فعالاً في الميادين المعاصرة على مدى المستقبل المنظور، فذلك يظهر السبب وراء استمراره في شراء الدبابات والحفاظ على الألوية المدرعة. ويقول كانسيان إنّ «فيلق مشاة البحرية الأميركية» يتفرد باعتقاده أن الدبابات أصبحت متقادمة. ويضيف: «لكن ذلك لا يعني أنّه على خطأ».
 

دبابة القتال الرئيسية MIA2 Abrams MBT صنع شركة GDLS.

ويقول وود إن «فيلق مشاة البحرية الأميركية» استبدل دباباته لأنها أقل ملاءمة لمهمتها الأولية مقارنة بمنصات وأدوات أخرى. ويتابع: إنّها مطلب من الناحية اللوجستية، ويصعب نقلها إلى الميدان، بينما تنبثق بدائل يمكنها أن تُعوض عن بعض قدرات النيران المباشرة التي توفرها الدبابة».
ومع ذلك، ليس القول دقيقاً بالكامل بأن قوات المارينز تستبدل الدبابات بِـ «الذخائر الحوامة المتسكعة»، حسب قوله: «إن تراجع القوة القتالية تقليدياً المتمثلة في دبابة يمكن تعويضه بِـ «الذخائر الحوامة المتسكعة»، ويضيف وود «لكن إذا ما واصلت الدبابة امتلاك قِيم تتناسب مع المهمة الأولية لفيلق المشاة، وكانت أقل عبئاً من الناحية اللوجستية، ويملك فيلق المشاة الأموال الكافية والكوادر المناسبة للاحتفاظ بها مع ميدنة معدات جديدة أيضاً مكملة لها، فإنني لا أشك بأن قوات المارينز لم تحتفظ بها».
ويتوقع وود أن تبقى الدبابات منصات قتالية عالية القيمة والفعالية على مدى المستقبل المنظور. ويشدد على أن «الجيش الأميركي لم يقدم أية دلالة على أنه سيتخلص منها، وكذلك لم تفعل أي دولة أخرى». وأضاف: «نعم، تُشكّل ’الذخائر الحوامة المتسكعة‘ تهديداً، لكن الميادين هي تفاعلية ودينامية. فقد يُقدم جانب على ميدنة قدرة فعالة تجبر جانباً آخر على تطوير تكنولوجيا مضادة أو رد تكتيكي مختلف». ويقول وود إنه من السابق لأوانه القول أن «الذخائر الحوامة المتسكعة» والأسلحة الأخرى المضادة للدروع قد جعلت الدبابات متقادمة لا جدوى منها. ومع ذلك، ينبغي التكيف في استخدام الدروع الثقيلة، لمجاراة هذا التطور، حسب قوله.
ويوفر المُصنّعون الدفاعيون العديد من الشاحنات التكتيكية والعربات المدرعة، بعضها قيد الإنتاج والبعض الآخر لا يزال نماذج أولية تصورية، مع تركيب «ذخائر حوامة متسكعة» على حواضن الشحن الخلفية فيها أو على سقفها. وقد اختار «فيلق مشاة البحرية الأميركية» الذخيرة Hero 120 من شركة «يوفيجين» UVision، التي تنقل رأساً حربياً يصل وزنه إلى 4.5 كيلوغرامات، مع فترة مكوث تبلغ 60 دقيقة، لتلبية متطلبها «الذخائر الدقيقة الأساسية-المركّبة على متن عربات» (OPF-M)، الذي يلحظ تركيبها على متن عربة وإطلاقها باستخدام «راجمة صواريخ».
ويقول وود إنه ليس العربة ما يهم بقدر ما تشكّل الأسلحة أهمية. ويضيف: «يمكن تصميم العربات لكي تكون أقل عرضة للمخاطر لكن القوات البرية يرجح أن تستثمر على نحو أكثر في القدرات المضادة لـ ’الذخائر الحوامة المتسكعة‘. وربما تكون تلك القدرات قوة حركية، مثل «أنظمة الحماية النشطة»، لكن من المرجح على نحو أكثر أن تكون مرتكزة على الطاقة: أشعة طاقوية تُحدث اضطراباً في الدارات الإلكترونية، والمستشعرات البصرية، أو المستشعرات التي تعمل بالأشعة تحت الحمراء لـ ’الذخيرة الحوامة المتسكعة‘ بما يجعلها عاجزة عن رصد العربة وضربها. ويتم استطلاع كل هذه الخيارات».
وربما تُقدِّم الحرب في أوكرانيا، التي شهدت استخداماً واسع النطاق للمسيرات و«الذخائر الحوامة المتسكعة»، بعض الدروس المهمة أيضاً إزاء سُبل ميدنة هذه الأسلحة في المستقبل أو استخدامها من قِبل قوات مثل «فيلق مشاة البحرية الأميركية». لكن كانسيان يقول إنّها جديدة لدرجة أن التكتيكات والتقنيات والإجراءات (الخاصة بتلك القدرات) ليست موجودة حتى الآن بالفعل، ولو أن الحرب في أوكرانيا توفر فرصة لتطويرها.
 

نظام الذخيرة الجوية غير الآهلة ST-35 «Silent Thunder» هو نظام أسلحة تحوم فيه الذخيرة حول منطقة الهدف لبعض الوقت ، وتبحث عن أهداف أو تستخدم بيانات استطلاع من مصادر أخرى ، وتهاجم بمجرد تحديد الهدف. الصورة: Athlon Avia الأوكرانية

كما قد تكون هناك فرصة لـ «فيلق مشاة البحرية» لاختبار أو إعادة النظر في مواقفه حول الإفادة من «الذخائر الحوامة المتسكعة». ويوضح كانسيان: «في البداية، زعم فيلق مشاة البحرية أنّ الحرب تدعم وجهة نظره بإحالة الدبابات على التقاعد أو التخزين وخفض المدفعية التقليدية بغية التركيز على الذخائر الاستطلاعية والدقيقة. لكن مع اشتداد وطيس الحرب، بدا ذلك الموقف أقل دقة. فلا يزال المشاة والمدفعية هم المهيمنون».
ويقول كانسيان إن هناك قدراً قليلاً من البيانات الميدانية الصالحة الآتية من أوكرانيا والتي تشي بأن «الذخائر الحوامة المتسكعة» وجب أن تكون هي المهيمنة. ويوضح: «ثمة الكثير مما ليس نعرفه. وربما يعود ذلك من ناحية إلى صعوبة جمع البيانات والحصول على تحليل موضوعي خلال أي نزاع. أما من ناحية أخرى، فإن الحكومتين الأوكرانية والروسية تتلاعبان بالبيانات لصالح كل منهما، لذا من الصعب معرفة ما يجري فعلاً. وبالتالي، لسنا نعلم مدى فعالية ’الذخيرة الحوامة المتسكعة‘. أما التقارير فلا تشي إلا بالقليل عن ذخيرتي ’سويتش بلايد‘ Switchblade أو ’فونيكس غوست‘ Phoenix Ghost، لكن ذلك لا يعني أن لا فائدة منهما».
وفي الأشهر الأخيرة، استخدمت روسيا أسراباً من المسيرات الانتحارية (الانقضاضية) الإيرانية الصنع Shahed 136 لإطلاق هجمات مدمرة على المدن والأهداف المدنية الأوكرانية. ومع ذلك، تقول شركة UVision الإسرائيلية، التي تُصنّع «الذخيرة الحوامة المتسكعة» Hero 120 LM التي اختارها «فيلق مشاة البحرية الأميركية»، إن المسيرات الإيرانية Shahed 131/136، ليست بذخائر حوامة متسكعة على الإطلاق إذ ليس هناك وصلة بيانات فيها أو حتى رأس باحث بصري إلكتروني، بل هي أشبه بنظام «إرمِ وانسَ» fire and forget يُرسل إلى الموقع ويُصيبه من دون أي توجيه في الوقت الحقيقي، بحسب ما نقلت مجلة DPI عن الشركة في رسالة إلكترونية.
وفيما قد يضيف الاستخدام الحالي للأسلحة المضادة للمدرعات في أوكرانيا مزيداً من خلاصات استنتاجية إضافية، يقول وود إنها لم تُحفز قرارات «فيلق مشاة البحرية» المندرجة في المبادرة المستقبلية Force Design 2030. ولفت محللون بالفعل إلى استخدام العربة الجوية القتالية غير الآهلة التركية [بيرقدار] TB2 في الحرب الأرمينية-الأذربيجانية، والاستخدام المتنامي للمنصات غير الآهلة كأسلحة، ويقول وود إن استخدام إيران للمسيرات ضد البنية التحتية النفطية في المملكة العربية السعودية كان أحد الأمثلة على ذلك.
ومن ثم يوضح وود: «إن الحرب عالية الدينامية. فربما يكسب جانب ميزة مؤقتة مع أداة أو سلاح أو منصة أو تكتيكيات جديدة، لكن العدو سيعمل جاهداً لتطوير ميزة مضادة. إن القدرة على تحمّل خسائر وتحمّل العبء القتالي على مر الزمن هو في غاية الأهمية. وقد أثبتت ’الذخائر الحوامة المتسكعة‘ مدى فعاليتها في الحرب الروسية-الأوكرانية الدائرة حالياً. وبالتالي، إنها ستُحدث تغييراً، لكن لن تُنبئ بنهاية المنصات المدرعة، كما لم تُنبئ الصواريخ الجوالة المضادة للسفن بنهاية البحريات».

نظام ST-35 «Silent Thunder»
الشركات
تاريخ المقال
العدد
العدد حسب الاشهر
السنة
2023
رقم الصفحة
60

أخر المقالات