كيف سيحول الذكاء الصناعي المجالين الجوي والدفاعي

منذ أكثر من قرن، وبعد ابتكار الطيار الآلي، ما زال مهندسو الجوفضاء يعملون لجلب العديد من العمليات الآلية إلى قمرات القيادة للطائرة لتحسين السلامة، وزيادة الكفاية، وخفض عبء العمل على الطيار. وبفضل مساعدة الذكاء الصناعي ارتقت تكنولوجيا الطيار الآلي من أجهزة بسيطة مثل تلك التي تحافظ على ارتفاع الطائرة والتوجه، إلى أنظمة السيطرة الجوية المستقلة بالكامل على الطيران، قادرة على إنجاز عمليات متقاربة Gate to Gate من دون أي تدخل بشري.

بطريقة أو بأخرى، تتطلع معظم الشركات الجوية والدفاعية، التي عرضت أنظمتها في معرض 2023 Paris Airshow، بازدياد إلى استغلال طاقات «الذكاء الصناعي» AI لتحسين أداء طائراتهم وغيرها من الأنظمة. إن هذه التكنولوجيا الواسعة الانتشار، والمتحوّلة بسرعة، ستظهر اهتماماً شديداً في أحداث متعددة، ومتطلعة إلى الأمام، أثناء المعرض الرئيسي. وهي تشمل «مختبر باريس الجوي» Paris AirLab الذي يركّز على ضمان مستقبل الطيران المستدام، كما أن جلسات Avion de Metiers ستدفع التكنولوجيين من الشباب الدخول في صناعة تعمد إلى تعليم الكثير حول «الذكاء الصناعي» AI في القطاعات الأخرى على غرار صناعة العربات، ولكن «الذكاء الصناعي» AI لا يغيّر كيف تحلّق الطائرة فحسب، بل إنه يحوّل كل جوانب الطيران على الأرض أيضاً. ومع نضج تكنولوجيا التعلم بالآلة و«الذكاء الصناعي» AI في السنوات الأخيرة، فإن صناعة الطيران استشرفت طرقاً للإفادة منها من خلال صنع عمليات أكثر كفاية وأكثر سلامة. وعلى سبيل المثال، فإن مصنعي الطائرات وفنيي الخدمات بإمكانهم استخدام برمجيات «الذكاء الصناعي» AI والروبوتات بما في ذلك نماذج تعليم اللغات على غرار ChatGPT، لتحسين عمليات «الصيانة والتصليح والترميم» MRO. واستطاعت الخطوط الجوية والمشغلين الآخرين أيضاً استخدام «الذكاء الصناعي» AI لتعظيم عمليات الأسطول، وتخطيط الطيران والعمليات الأرضية. وباستطاعة مهندسي تطوير الطائرات استخدام وسائل «الذكاء الصناعي» AI لتسهيل وتسريع عمليات التصميم والحصول على تراخيص صلاحية المنتجات حتى قبل دخولها الخدمة. إن «الذكاء الصناعي» AI لا يشكل طريقاً للمستقبل فحسب. وسبق لصناعة الطيران أن استخدمت، على الأقل، بعض الأشكال البدائية لتكنولوجيا الذكاء الصناعي لسنين عديدة، وعلى وجه الخصوص عمليات التصنيع وخدمات «الصيانة والإصلاح والترميم» MRO. ويعتمد الذكاء الصناعي AI تقليدياً على المبرمجين البشر لتعريف قواعد وخوارزميات النماذج المطابقة وعمليات صنع القرار. وبإمكانه تحليل مجموعات البيانات الكبيرة بطريقة أسرع من الأعمال البشرية، وعلى سبيل المثال، فإن مقدّمي خدمات MRO، يمكن أن يستخدموا «الذكاء الصناعي» AI لتحليل البيانات الواردة من مختلف المستشعرات الموجودة على متن الطائرات لتوقّع حاجات الصّيانة الكبيرة قبل نشوئها.

Generative AI يغيّر أصول اللعبة

على الرغم من أن الصناعة الجوية تستخدم بالفعل «الذكاء الصناعي»AI في مختلف التطبيقات على نطاق واسع، إلا أنها بدأت للتو تحدث أثراً. وفي السنوات المقبلة، ستبدأ تطبيقات جديدة في الظهور فيما تجد الشركات طرقاً للاستفادة من نموذج Generative AI، على غرار ChatGPT، التي تستخدم التعليم الآلي وشبكات التواصل العميقة لتوليد مخرجات محددة مسبقاً بواسطة المبرمجين البشريين. وقال «ريشي رانجان» Rishi Ranjan، المؤسس والرئيس التنفيذي لشركة GridRaster: «الذكاء الصناعي AI يساعد بالفعل كل من المصنعين وعمال MRO للعمل مع الروبوتات بطرق أفضل. وتشكل GridRaster، شركة برمجيات متخصصة في التكنولوجيات الواقعية الممددة، على غرار الواقعية المعززة والواقعية الافتراضية التي تستخدم «الذكاء الصناعي» AI وبرمجيات الخرائط المكانية. وإنها تزوّد هكذا وسائل للصناعات الجوية والبرية (السيارات)، وتعمل مع المتعاقدين الدفاعيين الكبار في الولايات المتحدة الأميركية.

وبحسب راجان، تستخدم وزارة الدفاع الأميركية وكبار المتعاقدين معها بالفعل أدوات «الذكاء الصناعي» AI التقليدية، ولكن GAI لديه القدرة لإحداث تأثير أكبر على التطبيقات الدفاعية، بالإضافة إلى صناعة الطيران الأوسع نطاقاً. وأوضح راجان: «نحن نعتقد بقوة بأن GAI سيبدأ فعلاً بموازنة هذه الأشياء لتصل إلى صناعة جوية أكثر انتشاراً خلال الفترة المقبلة التي تراوح بين سنتين وحتى عشر سنوات». إن ChatGPT وغيرها من وسائل تعليم اللغة بنماذج «الذكاء الصناعي» AIالمشابهة، لا تجعلها تتماشى مع الكم الضخم من المعلومات لتوليد مخرج ذي صلة وفي معظم الأحوال مخرج فوري. وباستطاعتها إخبار شخص ما لبناء طائرة وحصول المصادقة عليها وتوفير المساعدات لتحسين الشكل الانسيابي للهيكل البنيوي للطائرة، وحتى إنتاج برامج صيانة لبعض الطائرات المحددة. ولكن ستأتي القيمة الأكبر لإنتاج نماذج «الذكاء الصناعي» AI ، على غرار ChatGPT ، عندما تبدأ الشركات الجوية بجعل التكنولوجيا عامودية، وإدماجها مع الملكية الفكرية الخاصة بها للاستخدام الداخلي. بحسب ما قال رانجان. في حين أن ChatGPT وغيره من نماذج GAI يمكنها الوصول إلى المعلومات المتوافرة لجمهور من الإنترنت، إلا إنها لا تستطيع الوصول إلى الملكية الفكرية القيِّمة للشركات. ومن شأن منح الذكاء الصناعي إمكانية الوصول إلى تلك المعلومات المحمية للغاية أن يفتح عالماً من حالات الاستخدام الجديدة للذكاء الصناعي عبر الصناعة. «وبالنسبة للاستخدام الحقيقي، ما سيحدث هو أنه سيتعين على الشركات أن تدفع مقابل نموذج «الذكاء الصناعي» AI على غرار ChatGPT والبدء في التدريب عليه - إذا أتاح ChatGPT ذلك أو أي شخص آخر يقوم بتقديم حل لذلك – وهكذا فإنه بالإمكان استخدام نموذج التعليم الموسع والمكثف، والبدء بالتدرب عليه باستخدام البيانات الخاصة»، هذا ما قاله رانجان، الذي أضاف: «إن ذلك سيكون صحيحاً لكل مشروع حيث تكون تكنولوجيا المعلومات IT مهمة جداً». فيما يشكل ChatGPT نموذجاً للتعليم اللغوي والذي يقوم بإخراج فقط النص، فإن GAI يمكنه أيضاً إنشاء صور ونماذج ثلاثية الأبعاد. وفي المجال الجوي، حيث عادةً ما يكون نافعاً بشكل خاص في إنتاج الثنائيات الرقمية. عادةً ما يعتمد مطورو الطائرات ومزوّدو خدمات MRO، في وقتنا الحاضر، على نماذج افتراضية معقّدة تُعرف بالثنائيات الرقمية لمحاكاة المنتجات على غرار الطائرات وغيرها من الأنظمة الفرعية المختلفة، في بيئة رقمية. وبإمكان المهندسين الاستعانة بالثنائيات الرقمية من أجل تسريع العمل لتطوير المنتج من خلال خفض الحاجة لبناء منشآت واختبارها وبالتالي خفض الأكلاف. ويقوم فنييو MRO باستخدام الثنائيات الرقمية للصيانة التنبؤية لرصد الشذوذ من خلال مقارنة بيانات المستشعر العالمي الحقيقي بالبيانات المتولدة بالثنائيات الرقمية.

الذكاء الصناعي AI يساعد بالفعل كل من المصنعين وعمال MRO للعمل مع الروبوتات بطرق أفضل. الصورة: GridRaster،

فيما توفر الثنائيات الرقمية الوقت والموارد، وهي أيضاً مكلفة ومستهلكة للوقت. لكن GAI ستجعل قريباً عملية بناء الثنائيات الرقمية المشيدة أسرع بكثير. «ما زال «الذكاء الصناعي» AI التقليدي يدوياً للغاية، وتشكل الثنائيات الرقمية عملية يدوية، لأقصى حد، لبنائها»، بحسب ما قال رانجان، وأضاف؛ «إن نماذج «الذكاء الصناعي» AI الكبيرة على غرار Chat GPT، ومتى استطاعت جعلها متوافرة للصناعة الجوية، فمن شأنه الاستغناء عن الكثير من العمل اليدوي. وبإمكانهم النظر لبيانات النص وبيانات الصورة والبدء بمساعدتك لخلق ثنائيات رقمية لهذه الأعمال آلياً». وبحسب رانجان، فإن «الذكاء الصناعي» GAI سيسمح للشركات، عما قريب، ببناء ثنائيات رقمية بأكلاف أقل من التي يتم إنفاقها اليوم. مقابل كل دولار يتم إنفاقه لبناء ثنائي رقمي بالطرق التقليدية «في غضون ثلاث إلى أربع سنوات أخرى، ستصل إلى قرابة الـ 10 سنتات» وفي السنوات العشر الأخر قد يصل إلى سنت واحد». أضاف رانجان: «واليوم، ستصبح هذه الحلول المكلفة بمتناول عدد أكبر من المستخدمين»، بحسب ما أضاف رانجان. مشيراً إلى أنه يتوقع أن تستخدم كل شركة طيران شكلاً من أشكال تكنولوجيا GAI الداخلية في غضون سنتين إلى ثلاث سنوات». وكما في الصناعات الأخرى، فإن الأثر الذي يحدثه «الذكاء الصناعي» AI في سوق العمل ليس واضحاً تماماً حتى الآن، فالروبوتات تولّت بعض المهام التي غالباً ما ينجزها بشر في صناعة جوية، كما أن الطائرات المستقلة ستخفّض الطلب على الطيارين التجاريين. ومع ذلك، لدى «الذكاء الصناعي» AI القوة لخلق فرص عمل لم تكن موجودة سابقاً. وقد تشمل الأدوار الجديدة صيانة أنظمة «الذكاء الصناعي» AI لكلا الطائرات والعمليات الأرضية وتطوير الخوارزميات وضمان أن يكون «الذكاء الصناعي» AI قد اعتاد عليها أخلاقياً وبمسؤولية. وبحسب رانجان، فإن مصنعي وفنيي الطائرات ليسوا بحاجة للقلق بشأن الروبوتات التي تأخذ وظائفهم، ومع ذلك فهو يعتقد أن «الذكاء الصناعي» AI سيغيّر الطريقة التي يعملون فيها. «البشر الموجودون داخل الحلقة غالباً ما يذهبون إلى هناك»، كما قال. ذلك لأن «الذكاء الصناعي» AI، على الرغم من كونه جيداً في التعرف على الأنماط التنبؤية، إلا أنه لن يؤثر إبداً على الإدراك البشري. ودائماً بحسب ما أشار رانجان. وختاماً قال رانجان، «إذا كنت تريد الكفاءة الأفضل في الجو، بسبب الكم الضخم للملكية الفكرية العالية وقاعدة معرفة كبيرة جداً التي تحتاجها لتشغيل هذه الأشياء، وهي عادةً ما تكون مكملة للعلاقات بين الآلة والطاقم البشري».

Generative AI يغيّر أصول اللعبة
المشاريع
العدد
العدد حسب الاشهر
السنة
2023
رقم الصفحة
62

أخر المقالات