الطائرات المسيّرة: توجّه نحو الحصول على منصات أكبر ومدى أطول

فيما تثبت الطائرات المسيرة الصغيرة جدواها في ميدان القتال الأوكراني، وبخاصة في مهام الاستخبار والمراقبة والاستطلاع والهجوم، إلا أن هناك حملة مستمرة للحصول على مسيرات أكبر ذات مدى أطول.

يتم التركيز الحالي على العربات الجوية غير الآهلة UAVs (أو الطائرات المسيّرة) في ظل الصراع المستمر بين روسيا وأوكرانيا. وقد أدى ذلك إلى عمليات استحواذ كبيرة للأنظمة غير الآهلة من قبل الدول الأعضاء في حلف الناتو الأوروبي بما في ذلك بولندا ورومانيا. تتوقع «تيل غروب» Teal Group أن إنتاج الأنظمة الجوية غير الآهلة العسكرية UAS، في جميع أنحاء العالم سيتجاوز 162.2 مليار دولار على مدى العقد المقبل، وسوف ينمو بسرعة من 12.1 مليار دولار في العام 2023 إلى 16.4 مليار دولار في العام 2032. بالإضافة إلى ذلك، سيبلغ إجمالي نفقات البحث والتطوير R&D))) 72.5 مليار دولار خلال الفترة ذاتها، وأكثر من %60 منها يأتي من الولايات المتحدة. لا تزال الولايات المتحدة وإسرائيل تهيمنان على سوق المسيرات العسكرية العالمية، لكنهما تواجهان تحدياً خطيراً من قبل الصين، بل وأكثر من ذلك من تركيا. وسوف تشكل الولايات المتحدة %71.9 من أكلاف البحث والتطوير غير المصنفة على تكنولوجيا المسيرات على مدى العقد المقبل، ونحو %34 من المشتريات السرية خلال العقد المقبل. ومن خلال تضمين تقديرات Teal Group للبرامج «السوداء»، تمثل الولايات المتحدة %81.3 من نفقات البحث والتطوير العالمية في مجال المسيرات و%39.3 من المشتريات. يعتمد السوق على أنظمة «الارتفاعات العالية والمكوث الطويل في الجو» ‏HALE ذات الكلفة العالية، والصادرات الصينية منخفضة الكلفة، والطلب على المسيرات المسلحة، وتطوير الجيل التالي من الأنظمة الجوية القتالية غير الآهلة، والتطبيقات الجديدة المحتملة على غرار الدفاع الصاروخي. على مدى العشر سنوات المقبلة، تقدّر Teal Group أن المسيرات ذات «الارتفاع المتوسط والمكوث الطويل في الجو» MALE‏ ستحظى بالإنتاج الأكبر من حيث القيمة. وسوف تتفوق «العربات الجوية القتالية غير الآهلة» UCAVs على أنظمة MALE من حيث قيمة الإنتاج السنوي في منتصف المرحلة المتوقعة. ومن الواضح أن المسيرات تُستخدم بالفعل على الخطوط الأمامية للعمليات العسكرية، وتتفاوت في الحجم والقياس، ولكن كل منها يلعب دوراً عملانياً حيوياً، بدءاً من طائرات المراقبة المحمولة باليد الصغيرة غير الآهلة (بعضها معدل لإسقاط الرمانات اليدوية الصغيرة) ومروراً بالمسيرات ذات الانتشار الواسع التي يتم التحكم فيها عن بعد وتتمتع بقدرة حمولة كبيرة. وبالنظر إلى المستقبل، ستكون المرحلة الرئيسية التالية في تطوير المسيرات هي العربات الجوية التي يتم تشغيلها ذاتياً على غرار طائرة مشروع Boeing Loyal Wingman، MQ-28A Ghost Bat‏‏، القادرة على الطيران جنباً إلى جنب مع الطائرات الآهلة للدعم وأداء مهام مستقلة ذاتياً باستخدام الذكاء الصناعي (AI). وتم مؤخراً تسليط الضوء على هذا المفهوم من قبل وزير سلاح الجو الأميركي (USAF) فرانك كيندال الذي أعلن في آذار/ مارس 2023، عن برنامج ترميم شامل لتحديث أصول USAF على ضوء «الضرورة العملانية» OI، والذي يحدد مهام عديدة التي بحاجة للاستثمار. أبرزها إنشاء برنامج «طائرة القتال التعاوني» CCA لتصنيع ما يصل إلى 1000 مسيرة مستقلة يمكنها العمل كأنظمة Loyal Wingman التي ستحلق إلى جانب منصة قتال الجيل التالي للهيمنة الجوية لتوفر قدرات كشف، وحرب إلكترونية وأسلحة إضافية. ولهذا الغرض يطالب سلاح الجو الأميركي بمشروعين ممولين جديدين: 68 مليون دولار لبدء مشروع «اختبار Viper وطراز عمليات الجيل التالي» Viper Experimentation and Next-Gen Operations Model (VENOM) ، و 72 مليون دولار لوحدة العمليات الاختبارية، إلى جانب 394 مليون دولار لتطوير المنصة المستقلة.

مشروع Venom

سيكون الهدف من مشروع VENOM هو المساعدة في استقلالية العمل في المزيد من الاختبارات الروتينية بالإضافة إلى تحسين ما هو متوقع من الطائرة التي تم تطويرها بموجب برنامج CCA. ستقوم المبادرة بتجهيز ست طائرات من طراز Lockheed Martin F-16s بأدوات تحكم ذاتي التي سيختبرها طيار أثناء الطيران. وسيسمح الهدف من المشروع للقوات الجوية الأميركية بتقييم أفضل السبل التي يمكن من خلالها الربط بين التشكيلات المستقلة والآهلة مع بناء الثقة في الاستقلالية. يمكن لهذه الأنظمة غير الآهلة تنفيذ مجموعة متنوعة من المهام، بما في ذلك ضرب الأهداف، والاستخبار والمراقبة والاستطلاع ‏ (ISR) أو الحرب الإلكترونية (EW). وتتوقع القوات الجوية الأميركية أنها ستكون أقل كلفة من الطائرات الآهلة، وفي بعض الحالات تكون مجزية اقتصادياً بما يكفي لتحمل خسارتها في القتال

 MQ-28A Ghost Bat قادرة على الطيران جنباً إلى جنب مع الطائرات الآهلة للدعم وأداء مهام مستقلة ذاتية باستخدام الذكاء الصناعي (AI)
برنامج «طائرة القتال التعاوني» CCA . ويبدو في الصورة MQ-20 Avenger صنع GA-ASI تقترن بطائرة Sabreliner وطائرتين طراز F-5 AT صنع Northrop Grumman

وشدد كيندال على أن اعتماد برنامج Loyal Wingman لا يعني بالضرورة أن القوات الجوية الأميركية سيكون لديها عدد أقل من طائرات القتال الآهلة في مخزونها. وقال إنه بدلاً من ذلك، يمكن اعتبار CCA اشتقاقات من أنظمة التحكم عن بعد من التهديف أو حاضنات الحرب الإلكترونية أو الأسلحة التي تحملها الطائرات الآهلة الآن. ومع ذلك، فمن المسلم به أن سلاح الجو الأميركي كافح لسنوات عديدة للحصول على ميزانيات تدريب متواضعة لتعليم الطيارين المقاتلين كيفية مواجهة أعداد كبيرة من الطائرات المتقدمة. والآن تتطلع USAF ما إذا كان الجواب يكمن في الإمكانات غير المستغلة سابقاً للمسيرات. في العام 2022، منح سلاح الجو الأميركي شركة Blue Force Technologies (BFT) ومقرها ولاية كارولينا الشمالية عقداً أولياً بقيمة 9 ملايين دولار لتطوير عربات جوية غير آهلة مُحسّنة للمهام الجوية. هذا الجهد - الذي أطلق عليه مختبر أبحاث سلاح الجو (AFRL) مسمى برنامج Bandit،‏ دعا BFT إلى تطوير تصميم المسيرات المعروفة باسم Fury خلال العام المقبل - بلغ ذروته في المراجعة الحاسمة للتصميم والاختبار الأرضي لمحرك الطائرة. وفي حال نجاحه، يمكن للشركة الفوز بخيارات عقود إضافية لبناء واختبار ما يصل إلى أربع مسيرات. وقال أليسون توري، الذي يدير برنامج بانديت، إن الهدف هو «تطوير منصة غير آهلة تبدو وكأنها خصم من الجيل الخامس يتمتع بقدرات عربة مماثلة». في كانون الثاني/يناير 2023، أجرت شركة BFT‏ اختباراً أرضياً لمسيّرات Fury‏ بالتعاون مع AFRL، والذي نجح في التحقق من صحة أداء نظام مسار الدفع الموجّه الجديد من ألياف الكربون من Fury. وقال سكوت بليدسو، رئيس BFT: «في مقاتلة غير آهلة مثل Fury، يعد الدمج الصحيح لمسار تدفق مسار الدفع هو المحرك الأكثر أهمية في التصميم للعربة بشكل عام». «كان من المهم بالنسبة لنا أن نثبت، قبل بناء طائرة اختبار الطيران، أنه يمكننا التوقع بشكل صحيح التفاعل بين مكونات مسار تدفق الدفع ومحرك ويليامز الدولي.» شهد الاختبار إجراء فريقا BFT‏ وAFRL تحليلاً دقيقاً لِـ «ديناميكيات السوائل الحسابية» (CFD)،‏ باستخدام موارد حسابية شاملة في مركز أبحاث وتطوير مهندسي الجيش الأميركي و AFRL. وقال أليسون توري: «بعد اختيار المحرك في حزيران/يونيو 2022، عمل فريقا AFRL وBFT على وضع اللمسات الأخيرة على أهداف وإجراءات الاختبار بالتزامن مع بناء أجهزة BFT لضمان إجراء هذا الاختبار واسع النطاق معاً في أقل من ستة أشهر». تتماشى خيارات الاستخدام الموسع هذه تماماً مع مبادرة الاستخدام القتالي المرن (ACE) لسلاح الجو الأميركي التي تهدف في النهاية إلى «خفض عدد الطيارين المعرضين للخطر في البيئات القاسية».

نفذت القوات المسلحة الألمانية وشركة «إيرباص» Airbus، بشكل مشترك، أول عملية إطلاق وتشغيل ناجحة في العالم، لطراز اختبار طيران النقل البعيد (RC) من طائرة إيرباص A400M والتي تم تطويرها في ستة أشهر فقط. الصورة: AIRBUS
مجرد إسقاط

تتطلع أوروبا أيضاً إلى مستقبل قدرات وعمليات المسيرات المتقدمة. في شباط/فبراير 2023، نفذت القوات المسلحة الألمانية وشركة «إيرباص» Airbus، بشكل مشترك، أول عملية إطلاق وتشغيل ناجحة في العالم، لطراز اختبار طيران النقل البعيد ‏(RC) من طائرة إيرباص A400M والذي تم تطويره في ستة أشهر فقط. بالنسبة للرحلة الاختبارية، تم تحميل المسيرة على منحدر طائرة Bundeswehr A400M، والتي انطلقت منها الناقلة عن بعد ‏RC، وهي مسيرة معدلة من طراز Airbus Do-DT25 بعد الإطلاق، تم تشغيل محركات ‏Do-DT25 واستمرت في وضع الطيران المدفوع. بعد ذلك، قام الطاقم الموجود على متن طائرة A400M بتسليم السيطرة إلى مشغل على الأرض، الذي قام بقيادة المسيرة وهبوطها بأمان. ستكون الناقلات عن بُعد عنصراً مهماً في النظام القتالي الجوي المستقبلي (FCAS) الأوروبي والذي سيتألف من نظام سلاح الجيل التالي (NGWS) بالإضافة إلى الأصول الجوية الأخرى في القتال الجوي العملاني المستقبلي. سوف يحلّقون بتعاون وثيق مع طائرات آهلة على غرار Loyal Wingmen وسيدعمون الطيارين في مهامهم. ستلعب طائرات النقل العسكري على غرار A400M دوراً كسفينة أم لتقريب المنسقين المقيمين قدر الإمكان من بقعة عملياتهم قبل إطلاق ما يصل إلى 50 طائرة صغيرة أو ما يصل إلى 12 ناقلة بعيدة وثقيلة. وستنضم بعد ذلك إلى الطائرات الآهلة، التي تعمل بدرجة عالية من الأتمتة على الرغم من أنها تخضع دائماً لسيطرة الطيار. ومع تزايد استخدام المسيرات، تزداد أيضاً الحاجة إلى القدرة على تنفيذ عمليات هبوط آمنة في الحالات الطارئة. وفي هذا المجال تقوم «وكالة الدفاع الأوروبية» EDA بتمويل مشروع طورته شركتان أوروبيتان، GMV Innovating Solutions‏ وAertec Solutions، للتحقيق في طرق تحطم المسيرات (RPA)، عند الهبوط بشكل مستقل في حالات الطوارئ، حيث يكون رابط بيانات القيادة والتحكم مفقوداً، ما يؤدي إلى تجنب خطر هبوط مسيرات ‏RPA في الأماكن الحضرية أو الآهلة بالسكان. يسعى نظام استكمال الطيران المستقل الآمن SAFETERM إلى السماح للمسيرات ذات الارتفاع المتوسط والمكوث الطويل في الجو MALE ، وأنظمة التحكم عن بعد RPA ‏التكتيكية الكبيرة باستغلال الذكاء الصناعي AI لتطوير هذه القدرة. ويهدف برنامج EDA الذي استكمل وعرض في حزيران/يونيو 2022، إلى المساعدة في تطوير، وبشكل متزايد، تقنية التعرف التلقائي واتخاذ القرار المستقل بشأن المناطق الآمنة للهبوط أو الارتطام بالأرض. وسيكون توحيد هذه المعايرة وإصدار الشهادات لها عنصراً أساسياً في استخدامها على نطاق أوسع. ويجري أيضاً معالجة جانب السلامة في تشغيل المسيرات. في الوقت الحالي، تعتمد عمليات إنهاء الطيران الآمن بواسطة المسيرات على إجراءات مبرمجة مسبقاً، بحيث يمكن تلقائياً ، في حالة فقدان رابط القيادة والتحكم، اتباع خطة طيران الطوارئ والانتقال إلى منطقة الهبوط المحددة. في حالة حدوث عطل إضافي في المسيرات، قامت EDA بتطوير مجموعة أنظمة وبرامج SAFETERM لتحديد المميزات على الأرض باستخدام أجهزة استشعار الكاميرا المرئية والأشعة تحت الحمراء الموجودة على متنها. وباستطاعة خوارزميات التعلم بالآلة للنظام تقييم البيانات المجمعة من خلال مستشعرات ورصد وتصنيف البقعة الأرضية حول المسيرات والبقع الأكثر ملاءمة للهبوط الاضطراري الذي يتم التحكم به تلقائياً. إنه في الأساس نموذج متعارف عليه وبالتالي يمكن أن تكون المناطق المرمّزة بالألوان آمنة نسبياً للهبوط. يجب تجنب البقع ذات اللون الأزرق أو الأخضر الآمنة نسبياً والمناطق ذات اللون الأحمر أو البرتقالي، وكل ذلك يتم بشكل مستقل بواسطة المسيرات. بالنسبة للتجارب والاختبارات، استخدم الائتلاف المسيرة ذات الأجنحة الثابتة TARSIS 75 التي صنعتها شركة Aertec، وتوج مشروع EDA باختبار طيران حقيقي للقدرة المستقلة، حيث قدم حزمة من الأجهزة والبرمجيات مع نظام قياس مستوى الجهوزية التكنولوجية (TRL) المستخدم لتقييم مستوى نضج تقنية معينة يراوح من خمسة إلى ستة ما يعني أنها تحتاج إلى الاختبارات المتزايدة في بيئات مختلفة للتأكد من أن الأجهزة والبرمجيات خالية من الخداع. إن النمو الحتمي للمسيرات في قطاع الدفاع يعني أن استدامة هذه الأصول العسكرية أصبح أيضاً تحت دائرة الضوء، خاصة بالنظر إلى تعقيداتها المتزايدة وأهميتها العملانية. تشمل مسائل الدعم استدامة على دورة حياة الخدمة والإصلاح والصيانة والتدريب والإدارة، وجميعها سوف تتطلب الجيل التالي من سيناريوهات البرمجيات المخططة وغير المخططة باستخدام التحاليل والتوقعات المتقدمة.

ستُجهّز ست طائرات من طرازLockheed Martin F-16s  بأدوات تحكم ذاتي التي سيختبرها طيار أثناء الطيران
العدد
العدد حسب الاشهر
السنة
2024
رقم الصفحة
51

أخر المقالات