الألعاب الإلكترونية للعمليات العسكرية في الأماكن الآهلة

يبدو أن العمليات العسكرية في الأماكن الآهلة، والتي تراوح بين المدن والبلدات المحاصرة، والرهائن، ودوريات الشوارع والمعارك المسلحة، وحرب العصابات، تمثل حرب العصر الجديد، وهي موجودة لتبقى.

ولا يمكن لأي ميدان قتالي تقليدي أن يعدّك لكابوس المدينة المحاصرة. القتال في الأماكن الآهلة هو الأكثر صعوبة لعدة أسباب. بالنسبة للمبتدئين، يستغرق الأمر وقتاً أطول لأنه يجب تفتيش كل مبنى، وكل غرفة، وكل نفق قطار، وكل سيارة، وكل أنبوب صرف صحي، وكل زاوية وركن في هذه المتاهة الضخمة، بحسب ماكس بروكس في كتابه. The Zombie Survival Guide تنطوي الحرب الحديثة في المسرح الحضري على مخاطر تراوح بين الأضرار الجانبية التي تطال الضحايا المدنيين، وشل الحياة اليومية وتدمير البنى التحتية الحكومية. لقد قطعت حرب المدن شوطاً طويلاً منذ معركة «مونتيري» الأميركية المكسيكية American-Mexican Battle of Monterrey في منتصف القرن التاسع عشر وحتى يومنا الحاضر. وحتى إن متمردي طالبان الحاليين في أفغانستان الذين قاتلوا قوات الحكومة الأفغانية في البلدات والمدن المكتظة بالسكان، وقصفوا المستشفيات والمدارس، وسيطروا على عواصم المقاطعات. وحققت حركة طالبان رقماً قياسياً عالمياً وفقاً لأرقام الأمم المتحدة في عدد الضحايا المدنيين وهذه النسبة قد ارتفعت كثيراً في الحرب الإسرائيلية الحالية ضد قطاع غزة ولبنان الجنوبي. يمكن رؤية الأمثلة الأخيرة للصراع الحضري المحدود في النزاع بين إسرائيل وحماس في قطاع غزة، حيث تم تدمير المباني الشاهقة، وإحداث حفر على الطرق الرئيسية المزدحمة بسبب الهجمات الإسرائيلية، حيث أطلقت إسرائيل الآلاف من القنابل الذكية ضد حماس والأهالي والمسلحين بأسلحة خفيفة بما في ذلك المستشفيات والمدارس، ما أدى إلى استشهاد أكثر من 18 ألف فلسطيني ونحو 1300 قتيل إسرائيلي. شهدت الهند أول عملية رئيسية لحرب الشوارع خلال هجمات مومباي الإرهابية عام 2008، والمعروفة تحت مسمى 11/26، حيث قُتل ما يقرب من 200 شخص بريء وسط عمليات إطلاق نار منسقة وهجمات بالقنابل في عملية استغرقت أربعة أيام في فندق تاج بالاس في الهند. يُشار إليها بشكل مختلف من قبل الجيوش في جميع أنحاء العالم، مثل العمليات العسكرية في الأماكن الآهلة، «القتال في منزل شخص ما» FISH، و«التسبب في الفوضى في الشوارع الشعبية» CHIPS،‏ والعمليات في بيئة غامضة و«معقدة وغير مؤكدة» VUCA. يطرح القتال الحضري العديد من التحديات بما في ذلك التورط الديموغرافي، والأضرار الجانبية، وتدمير الممتلكات العامة، وخطف الرهائن، واحتماء المهاجمين في الأماكن الآهلة بالسكان. ويمثل التحدي نفسه ممارسة الألعاب الإلكترونية أو التدريب في بيئات محدودة وخاضعة للرقابة لهذه العمليات.يكمن تعقيد حرب الشوارع في مسرح عمليات غير محدد مقارنة بمسرح تقليدي، مع الحاجة إلى قياس العدو الفعلي، وشن الهجمات مع الأخذ بالاعتبار حماية المدنيين. وتشمل التحديات الأخرى حقلي النظر والرمي المقيدين، والحركية المحدودة في ميدان القتال، و«قدرة العربات القتالية المدرعة» AFVs و«عربات قتال المشاة» ‏ICVS على المناورة المحدودة، علاوة على الحاجة إلى تطهير وتأمين وتعليق العمليات العسكرية.

تحتاج قدرات «الاستخبارات والمراقبة والاستطلاع» ISR إلى معدات متخصصة على غرار الأسلحة المطلقة من الزوايا، والمدفعية في دور الرمي المباشر...
الألعاب الإلكترونية في الأماكن الآهلة

يقول الجنرال المتقاعد «فينود بهاتيا» Vinod Bhatia، المدير العام السابق للعمليات العسكرية بالجيش الهندي: «تتطلب MOUT في الأماكن الآهلة، عقيدة مختلفة، ومرونة في التنظيم، وأجهزة عسكرية خاصة والتدريب والقيادة. تم تطوير النماذج المحاكية لِـ MOUT على المستوى التكتيكي وهي فعالة في تدريب القادة. النمذجة عادة ما تكون شاملة بطبيعتها وهي كالعمليات تتغير استناداً إلى الأرض والمهمة. ولحسن الحظ، فإن خبرة الجيش الهندي في العمليات المضادة للإرهاب مفيدة في الأماكن الحضرية». إلى جانب التدريبات الفعلية، تستخدم الألعاب الإلكترونية للحرب العسكرية على نطاق واسع الأدوات مثل النموذجين الثلاثي الأبعاد والثنائي الأبعاد، والنماذج الصغرية، والنماذج الفرعية، وبرامج الكمبيوتر ذات عمليات المحاكاة القياسية والمدخلات التقنية الفنية المتعلقة بالجغرافيا والتسلسل الزمني. وأدى الأداء المتوافق مع الإنجاز إلى ظهور الألعاب الإلكترونية القائمة على الأبحاث والتي تقيس الفعالية في ظل بيئة معينة. الألعاب الإلكترونية التي تراوح من الفضاء إلى حرب العصابات لا تزال تتبع أنماط هجمات الحرب العالمية الثانية. التضاريس الحضرية بعيدة كل البعد عن التضاريس العادية بسبب طبيعتها المركبة والمتعددة الأوجه، من حيث الطرق والبنى التحتية والطرق والشوارع والمساكن والمخطط العام لمدينة متشابكة مع الهندسة المعمارية الحضرية ما يجعل القتال ممارسة صعبة بشكل خاص. تمثل الأماكن الحضرية اندماجاً استثنائياً بين الأشكال الخارجية والداخلية والأفقية والعامودية والجوفية المتراكبة على النباتات الطبيعية وصرف المياه. قد تظهر المناطق الريفية المحيطة وكأنها متراكبة على أماكن حضرية على الخريطة. النطاق والحجم الفعلي للمدينة في العمليات العسكرية هي في أوقات كثيرة مطوّرة بأحجام مشابهة للأراضي الزراعية، ولكن كل طابق في البناء يتضمن نحو مساحة مشابهة كطابق أرضي. على سبيل المثال، يحتل مبنى شاهق نفس مساحة الأرض التي يشغلها حقل زراعي صغير، ولكن كل طابق في المبنى يشتمل على مساحة مساوية تقريبًا لمساحة الطابق الأرضي. ولذلك، فإن المبنى المكون من 10 طبقات، مع سطوح وسقوف متعددة، لديه مساحة أكبر للدفاع عنها مقارنة بمساحة أرضية من الحجم نفسه. وهذه الكثافة والجغرافيا المعقدة هي التي تجعل الحرب في الاماكن الآهلة أكثر تطلباً من حيث الموارد والقوى العاملة وإدارة الوقت. غالباً ما تتحول المدن والبلدات، بعد أن شهدت عمليات متقلبة، في مجالات الطاقة والكهرباء والصرف الصحي والصرف المائي، مع إغلاق الخدمات الأساسية. إن الحجم والكثافة الهائلة الناتجة من هذه الهندسة الحضرية تجعل العمليات الحضرية كثيفة الاستخدام للموارد من حيث الوقت والقوى العاملة والمواد. وفي بعض الأحيان، يمكن أن تتراكم أكوام ضخمة من الركام هناك، ما يؤدي إلى إعاقة حركة النقل مقرونة بتدمير البنى الحضرية التي تغير أيضاً الجغرافيا من خلال هدم النقاط المرجعية. تحتاج قدرات «الاستخبار والمراقبة والاستطلاع» ISR إلى معدات متخصصة على غرار الأسلحة المطلقة من الزوايا، والمدفعية في دور الرمي المباشر، و«أسلحة الطاقة الموجهة» DEW، ومدفعية الطوافات والمسيّرات الخاصة بالمراقبة والتهديد. تتضمن وحدة التدريب المحاكي للبيئة الافتراضية للقتال في الأماكن الآهلة إنشاء موطن حضري افتراضي، بمواصفات شبه مثالية للهندسة المعمارية الداخلية والخارجية للهياكل الخرسانية، ما يسمح بالدخول والحركة داخلها بشكل ملائم. على الرغم من إمكانية استخدام البيئة الافتراضية بفعالية في تدريب القتال في الأماكن الآهلة، إلا أن بعض المهام غير مشمولة في البيئة الافتراضية، على سبيل المثال نشاط تسلق حبل افتراضي. تستخدم العديد من الجيوش في جميع أنحاء العالم حلولاً بديلة عن طريق الدمج الناجح للسيناريوهات الافتراضية والحقيقية، على غرار استخدام مشبّهات لبنادق فعلية لها نفس الوزن والمواصفات، والبكرات المستخدمة في حبال التسلق. تشمل المهام الأكثر إعوراراً التحرك فوق عتبات النوافذ والشبكات السلكية وتسلق الجدران والمشي على الحبال. لقد تم اكتشاف أن إنشاء حل بديل لنظام متكامل من النوافذ والجدران في إطار النمذجة للقتال في الأماكن الآهلة وقد يكون أقل فعالية من حيث التكلفة مقارنة بالهياكل الحقيقية. أدرجت دراسة بحثية برعاية قيادة أنظمة مشاة البحرية الأميركية في أواخر تسعينيات القرن الماضي ووضعت لائحة لمهام القتال في الأماكن الآهلة المناسبة للتدريب البيئي الافتراضي، للتحرك في الأماكن الحضرية خارج الأبنية: - المهارات الحركية الأساسية - تجنب الأماكن المكشوفة - تنفيذ الانتقال تحت التغطية النارية - اختيار الطرق التي تقلل أو تلغي احتمالات التعرض لنيران القوات الصديقة - عبور المناطق المكشوفة على غرار الشوارع، والحقول، والأماكن المكشوفة بين الأبنية، بسرعة تحت التغطية النارية - الانتقال على أسطح المنازل غير المغطاة بنيران العدو المباشرة - التحرك في الشوارع وعلى امتداداتها.

مجموعة من مشاة البحرية الأميركية تتدرب على تكتيكات وممارسات حرب المدن
القيود:

أفضل وصف للعمليات العسكرية في الأماكن الآهلة هو أنها تهديد غير نظامي يجعل من الصعب التمييز بين الصديق والعدو، وكثيراً ما تنطوي على إنزال القوات في أماكن قد تعرّض جنودها للخطر أو إنزال إصابات في صفوف المدنيين. في التعامل مع السكان المدنيين الذين قد يكونون معادين للجيش، يعتمد نجاح المهام على وجود السكان المحليين إلى جانبهم، ما يعني أن التواصل معهم ثقافياً أمر إلزامي. تحدث النماذج ثلاثية الأبعاد قيوداً على إدراك الوعي الظرفي. تختلف الهياكل الحضرية في مواد البناء والتصميم ما قد يؤثر على وظيفية الأسلحة، ما يجعل القوات عرضة للخطر. على سبيل المثال، من المهم أن تكون قادراً على حساب نتيجة ما إذا كان الجدار الحجري سيكون له نفس تأثير السياج الخشبي؛ وبالطريقة ذاتها، فإن المحاكاة الواقعية لحجم الحطام الناجم عن عمليات الهدم أو انهيار الهياكل الضعيفة مع هبوط طوافات الهليكوبتر، لها الاهمية ذاتها. استنتجت دراسة بحثية هولندية لصالح حلف شمال الأطلسي، أن النماذج ثلاثية الأبعاد لا تقدم صورة دقيقة للتدريب التكتيكي، وخيارات التغطية النارية، ومتانة الهياكل، ونوع الذخيرة المستخدمة. تتميز حقيقة الذخيرة والأسلحة والعربات بمحدوديتها وتتطلب التفكير واتخاذ القرار بشكل ثلاثي الأبعاد. يختلف الذكاء الصناعي المستخدم في الألعاب الإلكترونية المحاكية للجنود المحاكون بشكل عام ويعتبر غير مناسب للبيئات الحضرية، حيث يمكن ملاحظة أوجه القصور في ردود الفعل البشرية على غرار منع الاصطدام، والوسائل السمعية والبصرية لرصد رمايات العدو وإطلاق نار، والفرار وما إلى ذلك، والتي قد نراه في سيناريو حقيقي. تحظى جلسات التدريب الحية بميزة استنباط استجابات في الوقت الحقيقي بالطريقة التي يركض بها جميع الجنود، ويمشون، ويركعون، ويناولون الأسلحة، ويتيحون الفرصة للقدرة على مراقبة حركات أيديهم وأعينهم. في إحدى دراساتها البحثية، وجدت مؤسسة الأبحاث الأميركية، مؤسسة راند، أن «الألعاب الإلكترونية، التي كانت تقتصر تقليدياً على الحرب، أصبحت الآن تُطبق على الأعمال التجارية والمدنية والاجتماعية وغيرها من المجالات. وبما أن جميعها تتعامل مع المواجهة بين الأطراف المتحاربة»، قد يكون تحليل المواجهة هو المصطلح المناسب، حيث أن الألعاب الإلكترونية العسكرية هي فرع يهتم بالمشاكل العسكرية. مع تحول القوى العالمية من حقبة ما بعد الحرب الباردة ودخولها إلى مسارح عمليات جديدة، فإن الحرب التي تنطوي على قتال في الأماكن الآهلة يغيرها النشاط البشري مثل التحضر، والذي يتمثل في بناء القرى والبلدات والمدن والأبراج، من البديهي أن يكون هناك تخطيط وتدريب أفضل من أجل تنفيذ هذا الدور

يمكن رؤية الأمثلة الأخيرة للصراع الحضري المحدود في النزاع بين إسرائيل وحماس في قطاع غزة، حيث تم تدمير المباني الشاهقة، وإحداث حفر على الطرق الرئيسية المزدحمة من قِبَل الجيش الإسرائيلي
لا يمكن لأي ميدان قتالي تقليدي أن يعدّك لكابوس المدينة المحاصرة، فالقتال في الأماكن الآهلة هو الأكثر صعوبة
ميدان قتالي
العدد
العدد حسب الاشهر
السنة
2023
رقم الصفحة
32

أخر المقالات