الأسلحة المضادة للدبّابات المطلَقة من على الكتف

تهدف الخُطَى المُتَسارِعة للتقدُّم التكنولوجي والتحوُّلات الجيوبوليتيكية إلى صَوْغ عصرٍ جديد للأسلحة المضادة للدبابات. إنّ الصواريخ المضادة للدبّابات، الموجَّهة وغير الموجَّهة، صغيرةٌ وخفيفة بما يكفي لحملها من قِبَل جندي مشاة راجِل، لكنّها مع ذلك تنطوي على مقذوفٍ قادرٍ على تدمير دبّابة أو عربة مدرّعة، وهي قد أثبتت نفسها في جميع السيناريوهات القتالية تقريباً التي خاضتها القوات الغربية لأكثر من نصف قرن. وهي اليوم لا تنفكُّ تُثبِت ذلك.

NLAW

وفيما جرَى تطوير الأسلحة المضادة للدبّابات، كما يَشِي اسمها، في البداية لاختراق درع «دبابة القتال الرئيسية» MBT، خلال سنواتٍ عديدة من «العمليات المضادة للعصابات» COIN وحفظ السلام نجم عنها استحداث أنظمة صواريخ متعدّدة الأغراض قادرة على الاشتباك ليس فحسب مع تدريعٍ ثقيل بل أيضاً مع أهدافٍ مثل الجنود، والبُنَى والعربات المدرَّعة الخفيفة، خصوصاً في البيئات الآهلة بالسكّان.

بالنسبة إلى الجيوش الغربية، ركَّزت متطلّبات الأسلحة المضادة للدبّابات الحديثة على مضاعفة قوة الفتك لدى الجنود، ليس ضدّ عربات القتال الرئيسية فحسب، بل أيضاً ضدّ خصوم الحرب اللامتماثلة. ومع ذلك، بدأت عمليات مكافحة العصابات بالتراجع في السنوات الأخيرة الماضية، حيث عاد التركيز مجدّداً نحو التهديدات الندِّية، ولا سيّما الخصوم المحتملين الذين يحتمون بتدريعٍ من الجيل الثالث.

وكان من شأن القدرات المحسَّنة للدبّابة الحديثة، بما في ذلك أجهزة التسديد ووظائف الاستطلاع المحسنة، فضلاً عن مضاعفة أمداء الرمي، أنْ حتَّمَت الحاجة إلى تأمين قدرة للاشتباك على أمداء تباعُدية أكبر بكثير. ويتطلّب العملاءُ أمداءَ رميٍّ فعال من نظام مضاد للدبّابات على مسافة لا تقل عن 2 كيلومتر في حين أنّ «أنظمة إدارة الرمي» FCS المعاصرة تجعل من تحقيق هذه الأمداء أمراً ممكناً.

كما أنّ تخفيض وزن النظام هو أمرٌ محوري لتطوير السلاح المضاد للدبّابات، فيما الميزانيات الدفاعية تتقلص، والتركيز على شراء أنظمة متعدّدة الأغراض أصبح وسيلة فعالة لتحقيق قوة شرائية أكبر وتوفيراتٍ مالية، خصوصاً في معدّات التدريب وغيرها التي تدوم مدى فترة الخدمة.

 منذ انتهاء «الحرب الباردة»، وضعَت برامج تطوير الرؤوس الحربية أولوية للاشتباك بفعالية مع الجنود واختراق البُنَى، بما في ذلك جدران القرميد أو الآجر عوضاً عن تكنولوجيا الدروع المتقدمة. وانتقلت التكنولوجيا من الرؤوس الحربية الأُحادية ذات الحشوات المُجوفة للتصدّي للتدريع التفاعلي، إضافةً إلى رؤوس حربية انقضاضية متشكّلة الشظايا، ورؤوس حربية متشظِّية عاصفة وأخرى إنضغاطية حراريةthermobaric، وحتى رؤوس حربية ذات أنماط مختلفة من خلال إعدادات للصاعق تُعدَّل وفقاً لنوع الهدف المُزمع الاشتباك معه.

وما يلفت الانتباه أنّ شركة الصناعة العسكرية «رافائيل» Rafael مع عائلتها من صواريخ «سبايك» Spike عكست هذا الاتجاه، حيث ركّزت هذه الشركة على رؤوس حربية تشتبك مع تشكيلة واسعة من الأهداف. وقبل عقودٍ كانت الأهداف الرئيسية هي الدبّابات لكن الوضع تغيَّر حيث أصبح التوجه في السيناريوهات الحديثة إلى الحرب اللامتماثلة. فتوالى الطلب على رؤوسٍ حربية ذات تطبيقاتٍ متعددة للاشتباك مع أهدافٍ مختلفة، ليس فقط الدبّابات بل أيضاً التحصينات والدشم والخنادق والجنود، والأهداف السريعة المناوِرة...

ولكن، مع تعاظم استمرار التوتُّر السياسي والعسكري في آسيا وأوروبا الشرقية، والعودة إلى الحرب المتماثلة شبه الندّية، فإنّ مسألة مواجهة دبّابات القتال الرئيسية للعدو وعربات مدرّعة أخرى عادت إلى الواجهة من جديد.

وبحسب أندريس واهلسترومAnders Wahlström، رئيس وحدة أعمال «أنظمة القتال الأرضي» لدى شركة «ساب» Saab، ثمة يقظة مفاجئة نحو الاستحصال على قدرة مضادة للدبّابات. وأشار واهلستروم إلى أن عملية كشف النقاب عن منصّات روسية جديدة، على غرار دبّابة القتال الرئيسية «أرماتا» T-14 Armata، تعتبر تهديداً متنامياً من جراء بروز تكنولوجيات قتالية جديدة، وبالتالي متطلّب ضروري لإجراءات مضادة محسَّنة.

ويرى واهلستروم أنّ «السلاح الخفيف المضاد للدبّابات من الجيل التالي» NLAW من صنع شركةSaab سيفي تماماً بالمتطلّبات الحالية والمستقبلية. وبُنِيَ نظام السلاح زنة 12,5 كيلوغرام - القادر على المهاجمة الرأسية الانقضاضية والأخرى المباشرة على حدٍّ سواء - وفق المبدأ القائل أنّه إذا جرى توزيع النظام على نطاقٍ واسع في وحدات المشاة فإنّه سيخدم كخطٍ دفاعي ثانٍ فعّال، يحرم دبابة القتال الرئيسية للعدو «من حرّية التحرُّك العملاني».

وأوضحَ واهلستروم: «ينبغي نَشْر هذا النظام في كامل تنظيم الوحدة القتالية، وعلى آمر الدبابّة المُعادية أنْ يعلم أنّه ولو تغلّب على نظام السلاح الموجَّه المضاد للدبّابات فعليه أن يخشى انقضاض السلاح الخفيف المضاد للدبّابات من الجيل التاليNLAW من كلّ جانبٍ وصوب».

Carl Gustaf
خارج خط النظر

تجدر الإشارة إلى أنّ شركةRafael تعرض نظامها «سبايك للمدى القصير» Spike SR زنة 9.6 كلغ بطرازٍ يوفّر مدى رمي يزيد عن 1.5 كلم مع خيار رأس حربي مضاد للدبّابات وأخر مضاد للتحصينات. واستجابةً للطلب المتزايد لمسافاتٍ تباعدية أكبر، زادت هذه الشركة مدى نظامهاSpike SR إلى 2 كلم. وأعلنت الشركة عن اشتقاقٍ جديد من عائلة صواريخها الناجحةSpike تحت مُسمَّىSpike LR II. والصاروخ الذي صُمِّم لإتاحة رميه من منصّات أرضية، ومن على متن عربات، وطوّافات وسفن، يتّسِم بسِمات «تشارُكية تكاد تكون كاملة» مع باقي عائلةSpike، وللتوافق مع أي منصّة لإطلاق صواريخSpike.

وفيما تتطوَّر مناظير الدبّابات حالياً لترصد وحدات المراقبة والاستطلاع على أمداءٍ بعيدة، فإنّها قد أصبحت أكثر اقتداراً. لذا باتَ على الشركات المُصنِّعة أن تنبري لهذا التقدُّم وتطوير أمداء تباعُدية أطول.

وبينما تفرض أنظمة المناظير المحسَّنة وأمداء الرمي المضاعفة تهديداً كبيراً للدروع، فإنّ تطوير تكنولوجيا التدريع من الجيل التالي و«أنظمة الحماية النشطة» APS تُشكل مجموعة كبيرة من التحدّيات أمام أنظمة الصواريخ المضادة للدبّابات. وقد شَهِدَت العقود الأربعة الفائتة منافسةً بين التكنولوجيا المضادة للدبّابات والأخرى التدريعية.

إنّ تحسين القدرة على الفتك واحتمال الإصابة من الطلقة الأولى هي ميزة ضرورية حينما يتعلّق الأمر بالتغلُّب على القدرات التدريعية لدى «دبّابة القتال الرئيسية» MBT. ومن أجل إحراز الإصابة من الطلقة الأولى، تتعاون شركةSaab مع مورِّدين للمناظير على غرار «آيمبوينت» AimPoint من أجل تحسين قدرات الاختراق والتدمير لجعبتها الأوسع من الأنظمة المضادة للدبّابات، بما في ذلك نظامَا «كارل غوستاف» Carl Gustaf وAT4 عيار 84 ملم.

وفي هذا يقول واهلستروم، رئيس وحدة أعمال «أنظمة القتال الأرضي» لدى شركةSaab: «من وجهة نظر القدرات، فإن ما نُواصِل التركيز عليه هو زيادة احتمالية الإصابة والمدى. فإذا كان لدينا احتمالية إصابة أعلى على مدى محدّد، فبإمكاننا الرمي باحتمالية إصابة أقل على مدى أطول. والطريقة الأخرى لمضاعفة احتمالية الفتك والتدمير هي في ضمان وجود رأسٍ حربي فعّال وذي إمكانية للتحكُّم بتفجيره. ويتبدَّى ذلك بوضوح في الرأس الحربي الجديد الشديد الإنفجارHE الذي جرى تطويره لنظامAT4 فيما سيُطوَّر لاحقاً لصالح نظامCarl Gustaf».

Dynamit Nobel Defence: الريادة في تكنولوجيا الأسلحة المطلقة من على الكتف
Panzerfaust 3 IT

تحتاج التشكيلات القتالية في ميدان القتال المعاصر إلى مستوى أقصى من المرونة، وتدرّج المقاييس والفتك بالتهديدات المتماثلة وغير المتماثلة. وبالتالي تحتاج القوات المسلحة لأن تكون جاهزة للعمل في جميع المسارح القتالية في جميع أنحاء العالم، وفي جميع مسارح العمليات وضد مجموعة واسعة من الأعداء مع عدم المخاطرة بتجهيزها بالأسلحة الخطأ في الوقت الخطأ. وقد يكون لدى رياديي ألمانيا الإجابات الصحيحة تماماً.

«ديناميت نوبل ديفنس» Dynamit Nobel Defence أوDND، ومقرها مدينة بورباخ الألمانية، هي مورِّدة أنظمة ورائدة تكنولوجية عالمية لتطوير وإنتاج الأسلحة المطلقة من على الكتف التي تستخدم أعقابها مرة واحدة فقط، المضادة للدبابات، والمضادة للدروع والاستخدامات المتعددة الأغراض. ومنذ أكثر من 60 عاماً، تزودDND القوات المسلحة الألمانية والدولية بحلول أنظمة عالية الأداء.

عائلةPanzerfaust 3 الشهيرة، هي قيد الخدمة لدى الجيش الألماني والعديد من الجيوش الأوروبية والدولية ويتم تطويرها وتحسينها باستمرار، ويعتبر طرازها الأخيرPanzerfaust 3 Improved Tandem ذو الرأس الحربي المضاد للدبابات الأفضل في فئته. وباستطاعة الرأس الحربي الترادفي الفتاك، الذي يلقّم داخل أنبوب إطلاق الذخائر ذات العيار الخفيف، أن يخترق دبابات القتال الرئيسية الحديثة، حتى عند تجهيزها بدروع تفاعلية متفجرة.

جزء آخر من محفظة الأسلحة المطلقة من على الكتف الخاصة بِـDND هي عائلةRWG، التي تتميز بمفهوم تصميم مختلف قليلاً عن أنظمةPanzerfaust 3. تم تصميم أنظمة عائلةRGW مع رؤوسها المدمجة في أنبوب إطلاق أحادي العيار. ويتميز هذا التصميم بالعديد من المزايا الانسيابية كمفهوم محرك صاروخي عديم التأثر بالرياح. أما الميزة الأهم في عائلةRGW فهي الطيف الواسع من الطرز والرؤوس الحربية المختلفة مع الاستخدامات المتعددة وأنماط رمي انتقائية.

RGW 90 HEAT HESH هو أول سلاح مضاد للدبابات من منتجاتRGW، وتم تطويره مؤخراً إلى الطراز الجديد حيث تم خفض وزنه إلى 8 كلغ فقط، ويمثل التطوير الرئيسي في أداء الرأس الحربي الخارق.

إن مفهوم التصميم للسلاحRGW 60 الأصغر حجماً من العائلة يماثل تقريباً نظيره في منتجاتRGW 90، وتم دمج الرأس الحربي في أنبوب الإطلاق الأحادي، وخفض طول السلاح وموازنة وزنه بدقة عند وضعه على الكتف.

يمكن إطلاق RGW 60من أماكن مغلقة على غرار جميع مؤثرات DND. وهناك ميزة إضافية هي السرعة العالية عند مقطع التوجيه التي توفر مسرى ثابتاً، ومعدل تبدد منخفض واحتمالية إصابة غير مسبوقة.^

RGW 90 HEAT/HESH
RGW 90 LRMP
Javelin JV
رؤوس حربية متعدّدة الأغراض

على الرغم من الزيادة الواضحة في الطلب على قدرات مضادة للتدريع على وجه الخصوص، من الأرجح أن تبقى الجيوش منخرطة في مجموعة واسعة من العمليات التي تجري في بيئاتٍ آهلة بالسكّان أكثر كثافة وتعقيداً. فالجيش الأميركي على سبيل المثال قد استثمر في تطوير ذخيرة متعدّدة الأغراض لصالح الصاروخ الموجه المضاد للدبابات «جافلين» Javelin.

فهذا النظام المَرمِي من على الكتف زنة 15,9 كلغ من صنع المشروع المشتركJavelin JV (JJV)، وهو شراكة بين شركتَي «رايثيون» Raytheon و«لوكهيد مارتن» Lockheed Martin، قد جُهز به الجيش الأميركي منذ العام 1996. ويُتوقَّع قريباً أن يتم التعاقد مع الجيش الأميركي للحصول على النظام الجديدFGM-148 ‘F-model’، وهو سيَمدّ الجنود بقدرة فتك مضادة للأفراد إضافية، فيما يحافظ على المستوى الحالي للقدرة المضادة للتدريع.

ووصفَ دين بارتنDean Barten، مدير «مشروع أنظمة أسلحة القتال القريب» لدى «مكتب البرنامج التنفيذي للصواريخ والفضاء»، الحيازة المتوقَّعة لنحو 2,000 رأس حربي متعدّد الأغراض بكونه «تطوُّراً كبيراً جداً بالنسبة إلينا. إنّه رأسٌ حربي يحافظ على قدرة الفتك ذاتها ضدّ العربات المدرّعة ... لكن إضافةً إلى ذلك، قمنا بتعزيز قدرة الفتك المضادة للأفراد وللعربات ذات السقف القُماشي».

في غضون ذلك، يُحقِّق الاشتقاق الجديدFGM-148 ‘G-model’ حالياً تقدُّماً نحو المصادقة عليه، في حين يُتوقَّع أن يُستهلَّ إنتاجه في العام 2021. أمّا تخفيض الكلفة والوزن فهو قوة دافعة محورية في تطويره، فضلاً عن الاحتمالية المحسَّنة للإصابة.

صاروخ Kornet-EM
ارمِ وتخلَّصْ

بموجب برنامج «صاروخ الجيل الجديد» Roquette Nouvelle Generation لدى الجيش الفرنسي، ضافرت شركةSaab جهودها مع مجموعة «نكستر غروب» Nexter Group وحصلت على عقدٍ بقيمة 31,7 مليون دولار لتطوير طُرزٍ عديدة من القاذفAT4.

وثمة ثلاثة اشتقاقات من نظام السلاحAT4 القابل للاستخدام لمرةٍ واحدة، صُمِّمت جميعاً للاستخدام في أماكن ضيقة أو مغلقة، وجرى تضمينها في العقد، وهي: نظامAT4CS ER، وهو الطراز المضاد للدروع ذي المدى المُمدَّد؛ ونظامAT4CS AST، المصمَّم للعمليات المضادة للدشم والتحصينات وفتح الثُغَر والاختراق؛ والنظام الشديد الإنفجارAT4CS HE، ويشتمل على رأسٍ حربي شديد الإنفجار مضاد للأفراد.

وأوضح واهلستروم: «كانت المرّة الأولى التي نرى فيها عميلاً لا يرغب بحيازة نظام يتم التخلُّص منه بعد استخدامه أي يُستخدَم لمرةٍ واحدة فحسب، أو جرى تفعيله على نحو أمثل لهذا الغرض. بل ما ينشده فعلاً هو في الأساس الحصول على قدرة نظامCarl Gustaf في حزمة تُستَخدَم لمرّة واحدة».

وبعد توقيع عقدٍ لعمليات تسليم في العام 2014، لا زال النظام في طور الاستحصال على شهادة التأهيل من السلطات الفرنسية. ومع ذلك يأمل واهلستروم أنْ يتم إطلاق هذه الأنظمة في وقتٍ قريب.

وكان نظامAT4CS قد جرى تطويره في الأساس بعدما أفصحَ «مكتب المشتريات الدفاعية الفرنسي» DGA «عن متطلَّبٍ صارمٍ للعمليات في الأماكن الضيقة» في العام 1996، وحدث ذلك أثناء انشغال الجيوش الغربية ببناء قدراتها الخاصة بالحرب في الأماكن الآهلة. وتضمَّنَ ذلك استخدام صواريخ للتمكُّن من فتح ثغرة والدفاع ضد عربات خفيفة التدريع وكذلك ضد أفراد، ويمكن إطلاقها من أسلحة مضادة للدبابات ترمي من على الكتف، وهي في معظمها منذ تطويرها المبكر عبارة عن أنظمة غير موجَّهة تعتمد على المُشغِّل أو الرامي للاقتراب من الهدف قدر الإمكان والتسديد باستخدام مناظير تقليدية. وهو ما يُشكِّل خطراً على الرامي ويتطلّب مهارات وممارسات لإصابة الهدف من الطلقة الأولى. ومن أجل تحسين سلامة الجندي واحتمالية الإصابة، يدرس العديد من الجيوش حالياً إدماج «نظام إدارة الرمي» FCS.

وطُوِّرَ النظام «دايناهوك» Dynahawk من شركة «هنسولدت» Hensoldt عقب طلبٍ من الجيش الألماني للحصول على قدرة بعيدة المدى قابلة للإنفجار جواًairburst من دون الحاجة إلى مدفعية خلال العمليات في أفغانستان. وأوضح تاديلي زايسيغTadele Zeissig، مدير المبيعات الأمنية لدى الشركة أنّ القوات الألمانية كانت بحاجة إلى التكنولوجيا، وأضاف: «لذا بدأت [الشركة] بتطوير مؤثر رأسٍ حربي عيار 90 ملم ... وكان الهدف هو استخدام ذخائر متفجِّرة جواً على مدى يصل إلى 1,200 متر».

وقال زايسيغ: «حينما تريد أن تُصيب هدفاً في هذا المدى بسلاحٍ مُطلَق من على الكتف، فأنتَ تحتاج إلى نظام تحكُّم أو إدارة الرمي يتألف من: قائس مسافات ليزري، ومكبّر بصري ومستشعرات. وقد حلَّلنا السوق ورأينا أنّ ثمة ثلاثة أنظمةFCS مختلفة بحاجةٍ إليها. أوّلها نظام مضاد للدبّابات، أمّا الثاني فهو ذخيرة متعدّدة الأغراض، في حين أنّ الثالث هو ذخيرة قابلة للبرمجة»، وأضاف: «سنشهد في السنوات المقبلة تركيزاً أكثر على القذائف المضادة للدبّابات أكثر قابلية للبرمجة مع مدى أبعد للهدف».

ومن بين العملاء الرئيسيين لشركةHensoldt كلٌّ منSaab و«دايناميت نوبل ديفنس» Dynamit Nobel Defence - وهذه الأخيرة تُنتِج سلاحRGW90. ويتمحور التركيز في الشركة على إنتاج نظامFCS يوفّر احتمالية إصابة عالية على مدى طويل مع تخفيض الوزن والبصمة إلى الحدّ الأدنى.

والتوجه الحالي لصوغ تطوير نظامFCS يتمثَّل في تموضعه داخل الميدان الرقمي، وهذا يشمل تسهيل إدماج الأنظمة داخل «نظام إدارة المعركة» BMS لدى الجيش. وقال زايسيغ: «في المديَين المتوسط والطويل، ينبغي أن يجد كلّ نظامFCS مكانه في الميدان الرقمي وفي كلّ نظامBMS رقمي. إنّه تحدٍّ كبير ومعظم أنظمةFCS هي عند مستهلّ هذا التحدّي».

ويتَّخذ مختلف العملاء مقاربات مختلفة لرقممة الميدان. ففي ألمانيا، بدأوا يتباحثون في المدى الذي يحتاجونه من الرقممة وكيفية مشاركة المعلومات.

كما يُتوقَّع أن يكون لنضج وانتشار «نظام الحماية النشط» APS تأثيرٌ كبير على قطاع الأسلحة المضادة للدبّابات وكذلك على «أنظمة إدارة الرمي» FCS. وأوضحَ زايسيغ في هذا الخصوص: «إنّنا نسعى للمشاركة في هذه المحادثات المهمة، التي تتمحور حالياً حول التدريع النشط للدبّابات. وما من حلٍّ حتى الآن للتصدّي للتدريع النشط ... لذا يمكننا القول أنّنا إذا أردنا أن نُبرمِج رأساً حربياً لكي يُطلِق شُهُباً ثلاث مرّات ومن ثمّ الرأس الحربي الرئيسي، فإنّنا بحاجة إلى نظام إدارة رمي متطوِّر لهذا الغرض».

إنّ نظامAT4CS هو «رأس حربي ثنائي أنماط التشغيل»، وهذا يعني أنّه بالإمكان استخدام قذيفة واحدة ضدّ أهدافٍ مختلفة. فبِنَقرة مفتاحٍ يصبح الرأس خارقاً يفتح ثُغَراً، أو يتحوَّل إلى نمط الانفجار داخل الغرفة بعد خرق جدرانها. بحسب واهلستروم.

وفيما توزّعت الأدوار حول نشر هذه الأنظمة على مدى العقدَين الفائتَين، ليس واضحاً إلى أي مدى ستُلغِي الأنظمة الخفيفة الوزن المُطلَقة من على الكتف أنواعاً أثقل وزناً من الصواريخ، عادةً ما تُطلَق من قِبَل طاقم من على منصّة ثلاثية القوائم.

وإلى جانب نظامAT4، تعمل فرنسا على تطوير هذه القدرة المضادة للدبّابات والمُطلَقة من على الكتف بالصاروخ المضاد للدبابات المتعدّد الأغراضMMP للمدى المتوسط الجديدMissile Moyenne Portée من شركة «مبدا» MBDA. ويشتمل النظام، زنة 27 كلغ، على خاصيتي «ارمِ وانسَ» fire-and-forget و«فرد داخل الحلقة» man-in-the-loop (أي أنه يمكن توجيه المقذوف إلى هدف آخر غير الهدف الأساسي)، ويمكن أن يصل مداه إلى 4 كلم أو حتى 5 كلم بحسب مصادر في الجيش الفرنسي، الذي سيستحصل على 400 منصّة إطلاق و 2,850 صاروخاً لاستبدال صاروخ «ميلان» MILAN المتقادِم.

يُوصفMMP كسلاح من الجيل الخامس جرى التشديد فيه على المرونة التي تتيح الاشتباك مع مجموعة واسعة ومتنوّعة من الأهداف، وتزعمMBDA «دقّة لا تُضاهى» للسلاح وتُشدِّد أنه يتيح للمُشغّل تدمير أهداف فيما يتعدّى مدى النيران المُعادية. وهذا في غاية الأهمية لأنّ فرق الصواريخ يتعيّن عليها الاشتباك مع عربات مدرّعة مجهّزة بأنظمة تهديف وتحكُّم بالرمي حديثة ومعاصرة مقترنة بمدفع رشّاش أوتوماتيكي متوسط العيار، ومدافع دبّابات رئيسية ترمي ذخيرة متقدّمة وحتى صواريخ موجّهة بدقّة خاصة بها. ويشتمل صاروخMMP على رأس باحث ثنائي نمط التشغيل مع كاميرا بالأشعة تحت الحمراء غير مبرّدة وكاميرا أخرى ملوّنة بالأشعة المرئية، وهي توليفة تسمح للسلاح بالاشتباك مع مجموعة واسعة من الأهداف بما في ذلك تلك ذات التباين الحراري المنخفض. كما أنّه يحتوي على وصلة بيانات من الألياف البصريةfiberoptic التي يمكن استخدامها لإبقاء «الفرد داخل الحلقة» وأيضاً إتاحة الاشتباك مع أهدافٍ لا يمكن رؤيتها مباشرةً من موقع المُشغّل. وفي هذه الحالات، يعتمد المشغّل على معلومات عن هدف من طرف ثالث حتى يصبح باستطاعته رؤية الهدف من خلال الرأس الباحث للصاروخ، الذي يتم ترحيل صوره عبر وصلة الألياف البصرية.

وتشير شركةMBDA إلى الرأس الحربي بكونه حزمة فتّاكة متعدّدة الأغراض مع وظيفية مضادة للدبّابات، ومضادة للجنود ومضادة للبُنَى بإمكانها أن تُدمِّر أهدافاً تراوِح بين أثقل العربات المدرّعة ودُشَم المشاة المتحصِّنين.

وتؤكّد الشركة على أنّ 20 اختبار رمي واختبارات أخرى على الأرض قد أثبتت صلاحية جميع متطلّبات أداء هذا الصاروخ، بما في ذلك الاستخدام في بيئاتٍ عاتية ودرجات حرارة قاسية، والرمي بتوجيهٍ بالأشعة تحت الحمراء وآخر تلفازي ملوّن ضد أهدافٍ على أمداء تصل إلى 4,100 متر، والرمي من أماكن مغلقة، فضلاً عن تشديدها على فعالية الرأس الحربي ضد أهدافٍ متنوّعة.

كما تنتجMBDA أيضاً الصاروخ الموجّه المحمول على الكتف للمدى القصيرEryx. وهو يستخدم في العديد من الدول بما فيها كندا، وفرنسا والنروج. ويمكن استخدام هذا الصاروخ ضد الدشم والتحصينات وأيضاً كصاروخ مضاد للطوافات التي تحلّق على ارتفاعات منخفضة. يبلغ وزن الصاروخ 13 كلغ وطوله 920 سم ويراوح مداه ما بين 50 و 600 متر.

 ومع ذلك، تُجري «قيادة فيلق مشاة البحرية الأميركية» USMC إعادة هيكلة كبيرة لمعدّاتها المعيارية التي ستشهد زيادة في أنظمةJavelin وخفضاً في أعداد صواريخ «تاو» TOW الأثقل وزناً والمركّبة على منصّة ثلاثية القوائم. وبحسب الخطط الحالية، سيتم إخراج صاروخTOW من الخدمة تدريجياً ليُستبدَل بنظامٍ يُحسِّن من قدرة الفتك والمرونة لدى مشاة البحرية الأميركية.

وعلى الرغم من هذا القرار، أكّد الجنرال روبرت نيليرRobert Neller من قيادةUSMC أن الجيش الأميركي سيثابر على الاعتماد على الرأس الحربي لصاروخTOW، خصوصاً وأنّه يوفّر قدرات يعجز عنهاJavelin، نظراً إلى الفارق في حجم الرأس الحربي.

ويوضِح نيلير: «حينما ننظر في التكنولوجيا المتوفّرة لنا حتى تاريخه، كان هناك ثمة تضحية كبيرة من أجل الاعتماد على صاروخٍ واحد. ووجدَ الجيش أنّه من الأجدى أن يكون لديه نظام مضاد للدبّابات محمولاً على الكتف في المستقبل المنظور».

Eryx
صاروخ Kornet البعيد المدى

تأتي عائلة صواريخKornet تالياً، ومن بينها الأكثر اقتدراًKornet-EM، وهو سلاح قيادة-قيادة إلى خط النظر أوتوماتيكي يتّبع شُعاعاً ليزرياً صُمِّم لتدمير دبّابات القتال الرئيسية الحالية والأخرى المستقبلية المَحميّة بتدريعERA – ويخترق حتى 1,300 ملم من التدريع – وكذلك يُدمِّر العربات المدرّعة الخفيفة، والتحصينات إضافة إلى الأهداف المحمولة جوّاً المتحرّكة ببطء بما في ذلك الطوّافات، والطائرات الضاربة/ طائرات الدعم القريب و «العربات الجوّية غير الآهلة» UAV. ويمكن لصاروخKornet-EM الاشتباك مع أهداف تُراوِح أمداؤها بين 150 متراً و 10 كيلومترات.

ويشتمل النظام أيضاً على نمط رمي الصَّليَة حيث يمكن إطلاق صاروخَين في آنٍ ضد هدفَين منفصلَين، ما يُضاعف من سرعة الرمي وفعاليته. وثمة نمطٌ آخر في هذا الصدد، حيث يمكن توجيه صاروخَين على الإشعاع ذاته ضد الهدف نفسه، وهو خيارٌ متوافر لمواجهة أهداف خطرة جداً.

ويتألف النظام من منصّة إطلاق أوتوماتيكية يمكنها أن تستوعب أربعة صواريخ جاهزة للرمي في حاويات نقلها وسبطانات إطلاقها، ومنظار تصوير تلفازي نهاري وآخر حراري مع رأسٍ باحث ليزري قادر على قياس أمداء تُراوِح بين 200 متر و 15 كيلومتراً، وآليات تسديدٍ دقيقة بالاتجاه والارتفاع.

وثمة صاروخان يرتبطان بهذا النظام. الأول 9M113M-2 وهو سلاح رئيسي مضاد للتدريع يشتمل على رأس حربي ترادفي شديد الانفجار. وبفضل سرعةٍ تصل إلى 300 متر/ثانية يبلغ مداه الأقصى 8 كيلومترات ويزن 31 كيلوغراماً مع حاويته البالغ طولها 1,210 ملم.

أمّا الصاروخ الشريك الآخر فهو 9M113FM-3 الذي يشتمل على رأسٍ حربي أُحادي متفجِّر ومدى أقصى يصل إلى 10 كيلومترات مع سرعة تحليق تبلغ 320 متراً/ثانية. وبوزنه البالغ 33 كيلوغراماً يبدو أثقل قليلاً لكنّ يأخذ مكانه تماماً في حاوية شريكه.

نظام AT4CS ER
إدماج منصّات متعدّدة

فيما تتجه الجيوش نحو تخفيض أكلاف الحيازة والصيانة والتدريب فإنّ الحصول على حلّ مضاد للدبّابات «متكامل في حدّ ذاته» في جميع القطاعات الدفاعية شكَّلَ خياراً مُغرِياً للكثيرين. وقد مكَّنَت التكنولوجيا المتوافرة حالياً أيضاً من إدماج مثل هذه الذخائر في منصّاتٍ عسكرية من بينها عربات مدرّعة وطوّافات هجومية.

وتعمل الشركات على دمج ليس فقط لعائلات مثل هذه الصواريخ بل أيضاً لحواضن بصرية إلكترونية/أشعة تحت الحمراء وصواريخ موجَّهة وأخرى غير موجَّهة، أي حزمة كاملة من المنتجات.

وهو مجالٌ نشط يعمل فيه أيضاً الجيش الأميركي عبر مجموعة من الاستثمارات والبرامج التي يمكنها أن توفّر مرونة أكبر للقوات المسلحة. وقال نورم مونتانوNorm Montańo، رئيس المشروع المشتركJavelin JV (JJV) لدى شركةRaytheon: «من بين ما أنجزته الحكومة الأميركية الاستثمار في بعض التطبيقات المستقبلية التي تسمح لنا ليس فقط باستخدام منصّة ثلاثية القوائم، بل أيضاً بتوسيع بصمةJavelin لتشمل منصّات العربات المجنزرة أو المدولبة»، وتابع: «هذا ما ستستثمر فيه الحكومة، إنّها تمنح الفرصة لتوظيف نظام السلاحJavelin بطريقة أكثر مرونة».

وأُجرِيت الاختبارات من قِبَل المشروع المشتركJJV على إدماجٍ محتمل على متن الطوّافات الهجومية، في حين أنّ التطبيق الخاص بالعربات يجري تنفيذه حالياً ضمن «أنظمة الاسلحة المشتركة المشغَّلة عن بُعد» على متن عربات «سترايكر» Stryker في أوروبا (تحت تسميةCROWS-J) استجابةً لطلب مُلِحّ لمضاعفة قدرة الفتك لدى «فوج الخيّالة الثاني» لدى الجيش الأميركي.

إنّ الخُطَى الحالية لتطوير التكنولوجيا فضلاً عن التحوُّلات الجيوبوليتكية ومواقع النزاع المحتملة في المستقبل تصوغ عصراً جديداً من الأسلحة المضادة للدبّابات. ومع ذلك، ينبغي الانتظار لمعرفة أيٍّ من الجيوش سيتطلّب أنظمةً أكثر تراصّاً، مع حجمٍ وكتلةٍ أقل للمقذوف لكن مع مرونةٍ وحركيّة أكبر، أو أنّها تتطلّب أنظمة أكبر حجماً هي أسلحة فعليّة مضادة للدبّابات يمكنها أن تُحدِث تأثيراً أكبر في الهدف. بالنسبة إلى العديد من الجيوش، يبدو أنّ الإجابة تكمن في مكانٍ وسطي ما بين البينَين.

المدن
الدول
العدد
العدد حسب الاشهر
السنة
2019
رقم الصفحة
82

أخر المقالات