أسلحة الطاقة الموجَّهة الليزرية: خيالٌ علمي أم قوةٌ تدميرية وشيكة

من مواجهة الصواريخ البالستية الداهِمة إلى إسقاط العربات الجوية المُسيَّرة غير الآهلة  drone، عادَ القادة العسكريون الأميركيون يدعمون بقوة مجدّداً تطوير «أسلحة طاقة موجَّهة»  Directed-Energy Weapons، وهي قدرة لطالما قدَّر بعض المسؤولين بطرافة، وعلى مدى عقود، أنّها ستكون متوافِرة «بعد خمس سنوات». هل سيتغيَّر هذا التقدير، ويُصبح الخيال واقعاً؟

لطالما كانت أسلحة الطاقة الموجَّهة على مدى عقود أملاً في المدى المنظور، فيما يُشدِّد كبار المسؤولين على فوائد الإشعاعات الليزرية المنخفضة الكلفة التي من شأنها أن تحدّ من الحاجة إلى ترسانات ضخمة من الذخيرة وتغيير طابع الحروب. وارتفع منسوب الحماسة لدى القادة العسكريين الأميركيين مجدّداً في أحدث فصلٍ من رومانسية التحمُّس والفتور، في حين أنّ الآمال التي تعكسها التطوُّرات التكنولوجية الأخيرة قد تُفضِي إلى أسلحةٍ مماثلة في وقتٍ قريب.

وفي هذا السياق، أكّد قائد القيادة الاستراتيجية الأميركية لدى سلاح الجو الأميركي الجنرال جون هايتن John Hyten، خلال جلسة اجتماع اللجنة الفرّعية للخدمات المسلّحة حول القوات الاستراتيجية في مجلس النوّاب الأميركي أنّ «تكنولوجيا الطاقة الموجَّهة تشهدُ تقدُّماً سريعاً، لكنّني سأُشير أيضاً إلى أنّنا نعكف على تطويرها منذ عقودٍ عديدة، وقد قال لي مديري يوماً: تذكَّر فحسب لطالما كانت قدرة الطاقة الموجَّهة على وشك التطوير في غضون خمس سنوات. لذا علينا أن نتوخَّى الحذر وألَّا نضع عدداً كبيراً من البيض في سلّة واحدة». ويأتي تفاؤل الجنرال هايتن الحذر فيما تأخذ التوتُّرات بين الولايات المتحدّة وكوريا الشمالية بالتفاقم تارةً والانحسار تارةً أخرى، فيما تُكثِّف روسيا والصين استثماراتهما في تكنولوجيات الأسلحة الناشئة. وفي خطوة مضادة، يسعى القادة في وزارة الدفاع «البنتاغون» إلى مجاراة هذه الخُطَى. وعلى جبهة الطاقة الموجَّهة، لا تزال الصناعة والقوات المسلّحة تعمل لإنضاج هذه التكنولوجيا لتطبيقاتٍ محتملة، على غرار أجهزة الليزر العالية الطاقة التي بإمكانها أن تُسقِط صواريخ بالستية أو عربات جوية مُسيَّرة مُعادية داهِمة.

لكن كما كان الحال في الماضي يبقى السؤال حول إنضاج التكنولوجيا، والتضمينات العملانية والأُسس التطبيقية. هل سيُحكَم على هذا الفصل الأخير في رحلة تطوير الطاقة الموجَّهة بالمصير الفاشل الذي شَهِده برنامج «السلاح الليزري المحمول جوّاً» Airborne Laser Programme المُتعثِّر لدى سلاح الجو؟ أو ستكون هناك ثمة نهاية سعيدة هذه المرّة؟

أَسْقِطُه عندما ينطلق!

من بين تطبيقات الطاقة الموجَّهة العديدة، الإدماج المحتمل في هندسة «نظام الدفاع الصاروخي البالستي» BMDS وهو حقلٌ يستقطب الاهتمام ويُشكِّل مثالاً لبعض علامات الاستفهام الأساسية التي تُحيط بهذه التكنولوجيا.

وهناك العديد من أنظمة الـ BMDS لدى الجيش الأميركي، على غرار نظام «باتريوت» Patriot ونظام «الدفاع الجوّي للارتفاعات العالية الطرفيّة» THAAD، التي تُسِقط الصواريخ في مرحلة تحليقها الطرفي النهائي، في حين أنّ الصواريخ الاعتراضية المرتكِزة أرضاً قد صُمِّمَت لاعتراض الصواريخ في مرحلة مسراها المتوسِّط. ويبقى خارج المعادلة سلاحٌ يُسقِط الصاروخ البالستي في مرحلة إطلاقه، ولو أنّ ثمة خطة عالية الطموح تلحظ تطوير أجهزة ليزرية عالية الطاقة للقيام بهذه المهمة، و«إسقاط المقذوف فوق رؤوس قاذِفيه الأعادي»، بحسب تعبير الجنرال هايتن.

ومع ذلك، تبقى تساؤلاتٍ أساسية على غرار كيف سيتم نَشْر مثل هذا السلاح من دون إجابة. وثمة خيارٌ يتمثَّل في إرسال شُعاعٍ ليزري عالي الطاقة إلى الفضاء، وهو فكرة مثيرة للجدل أقرَّ الجنرال هايتن أنّها مُكلفة جداً في الوقت الراهن. وهناك حلٌّ آخر ممكن هو في إدماج هذه التكنولوجيا على متن عربة مُسيَّرة drone، ولو أنّ ذلك أيضاً ينطوي على مجموعة من التحدّيات التقنية والعَمَلِيّة.

وأقرَّ مايكل غريفن Michael Griffin، مساعِد وزير الدفاع الأميركي للأبحاث والهندسة، خلال قمة خاصة بالطاقة الموجَّهة في آذار/مارس العام 2018 بوجود بعض تلك التحدّيات. وقال إنّه حينما يتعلّق الأمر بفكرة تجهيز «عربة جوّية غير آهلة» UAV بجهازٍ ليزري عالي الطاقة لمهمّة «نظام الدفاع الصاروخي البالستي» BMDS فثمة إمكانية لذلك، لكن هناك عدداً قليلاً من الوسائل لتنفيذ ذلك.

وطرح غريفن السؤال: «تماماً إلى أي ارتفاعٍ ينبغي أن نصل في الغلاف الجوّي كي نبثّ شُعاعاً ليزرياً من هذا النوع ... ولتحقيق قدرة تدميرية على مدى معقول؟». وأجاب على ذلك: «وجدتُ ثمة رأياً حصيفاً يؤكّد إمكاننا القيام بذلك، في حين أنّ ثمة آراء تشير إلى تعذُّر تحقيق هذه القدرة، ولهذا السبب لا يزال هناك مجالٌ للتحكيم بين وجهتَي النظر هاتَين».

وأشار غريفن إلى أنّ المقاربة «العَمَليّة» في المدى المنظور هي في استخدام طائرة تحلّق قُبالة الشاطئ لإطلاق سلاح طاقة حَرَكِيّة لإسقاط الصاروخ البالستي.

ومن ناحية الجدوى التقنية، أوضح توماس كاليندر Thomas Callender، وهو باحثٌ كبير زميل للبرامج الدفاعية في مؤسّسة «هيرتيدج فاونديشين» Heritage Foundation، أنّ أجهزة الليزر الحالية العالية الطاقة والأكثر تطوُّراً هي ضمن نطاق قوة 100 كيلوواط. ولأجل مهمّة الدفاع الصاروخي عند مرحلة الإطلاق، ينبغي أن يكون السلاح على الأقل في نطاق قوة 500 كيلوواط لأسبابٍ عديدة، من بينها المسافة التباعُدية الآمنة.

وتساءل كاليندر: «من أين ينبغي على العربة الجوّية غير الآهلة أن تعمل إذا كانت منصّة إطلاق الصاروخ المُعادي على بُعد مئات الأميال داخل تلك الدولة المُعادية؟»، واستدركَ قائلاً: «لن أُحلِّق بعربة جوّية غير آهلة فوق كوريا الشمالية أو أي دولة مُعادية أخرى، إذ إنّها ستُسقِطها. ولهذا السبب ينبغي أن أُشغِّل عربة على مسافة أبعد بكثير ... ربّما تكون إطلاقاً ليزرياً من على بُعد مئات الأميال».

وإضافة إلى ذلك، يتعيّن على العربة الجوّية غير الآهلة أن تبقى في الجو لفترة طويلة. ولَفَتَ كاليندر إلى أنّ ذلك يتطلّب بالتأكيد تطوُّراً متواصِلاً في الجانب الليزري وكذلك من جانب قدرة العربة الجوّية غير الآهلة على البقاء في الجو حينما يتعلّق الأمر بالتحليق على ارتفاعات عالية جداً HALE ونقل حمولة ذات وزنٍ كبير.

يمضي الجيش الأميركي قُدُماً في خططه لمَيْدَنة جهاز ليزري عالي الطاقة بقوة 50 كيلواط على متن عربة «سترايكر» Stryker ثُمانية الدفع في العام 2023. الصورة: GDLS
اعتباراتٌ وتساؤلات

إلى جانب التساؤلات حول الجدوى التقنية، هناك مجموعة متنوّعة من التساؤلات الأخرى التي يتعيّن أخذها في عين الاعتبار. وقال فرانك كيندال Frank Kendall، وهو مستشارٌ ومساعِد وزير الدفاع السابق لشؤون الاستحواذ والتكنولوجيا واللوجستيات، إنّه لا يُعارِض الاستثمارات المتزايدة في التكنولوجيات الناشئة مثل الطاقة الموجَّهة بل إنّه يدعمها، ويحتاج القادة العسكريون وصُنّاع القرار إلى تقييم بعض تلك الأسئلة الأساسية وتحليل جميع التضمينات العَمَلانية بما في ذلك بعض النواحي العملية الأساسية.

ومن بين تلك الأسئلة: إذا ما حقّقت هذه التكنولوجيا النُّضج الكافي، كيف ستُستخدم بالضبط؟ وكم هو عدد المنصّات المطلوبة وما هي أنواعها؟ كيف سيتم نَشْرها؟ وما هي قدرات الدعم الجديدة التي سيكون ثمة حاجة إليها؟ وكيف ستكون ردّة فعل الخصوم؟ كلّ هذه الأسئلة ينبغي النظر فيها قبل الالتزامات الرئيسية من ناحية الموارد.

ويُضيف كيندال أنّه يرى احتياجات مُلِحَّة وعَمَلِيّة لأسلحة طاقة موجَّهة منخفضة الطاقة نسبياً لكي يُصار إلى مَيْدَنتها بغية مواجهة عربات جوّية غير آهلة صغيرة ورخيصة أو مستَنِدَة إلى تكنولوجيا تجارية، وكذلك لأجل تطبيقات إجراءات مضادة حمائية، لكن ليس من الواضح ما هي الجدوى العَمَلِيّة وسُبُل استخدام العديد من التطبيقات الأخرى.

ليزر للعربات

يمضي الجيش الأميركي قُدُماً في خططه لمَيْدَنة جهاز ليزري عالي الطاقة بقوة 50 كيلوواط على متن عربة «سترايكر» Stryker ثُمانية الدفع في العام 2023، ما لم يكن قبل هذا التاريخ، وقد بدأ بالفعل الآن اختبار هذا السلاح.

واجتمع قادة عسكريون في الجيش خلال مؤتمرٍ صحافي ضمن فعاليات معرض AUSA Global Force 2018 لمناقشة استراتيجية الدفاع الجوّي والصاروخي للجيش، حيث أوضحوا أنّه من ضمن جعبة القدرات يُطوِّر الجيش ويختبر مكوّنات مادية ذات صلة في إطار برنامج يُدعى «الجهاز الليزري العالي الطاقة النقّال» Mobile High-Energy Laser، الذي يُعتبر سلاحاً منخفض الكلفة يُكمِّل أنظمة الطاقة الحركية للتصدِّي لتهديدات الصواريخ غير الموجَّهة والمدفعية والهواوين، والصواريخ الجوّالة، والأنظمة الجوّية غير الآهلة UAS.

وبموجب هذا البرنامج، اختبر الجيش أجهزة ليزرية عالية الطاقة وصولاً إلى نطاق 10 كيلوواط وجهّزت عربة Stryker في ألمانيا بجهاز ليزري عالي الطاقة بقوة 5 كيلوواط. وفي وقتٍ لاحق لحظت الخطط اختبار سلاح بقوة 50 كيلوواط على متن «شاحنة تكتيكية ثقيلة ذات حركية موسَّعة»، بحسب اللواء جيمس ديكنسون James Dickinson، قائد «قيادة الدفاع الصاروخي والفضائي» لدى الجيش الأميركي.

وأشار العميد راندال ماكلنتاير Randall Mclntire، قائد «كلّية المدفعية الدفاعية» لدى الجيش الأميركي، إلى أنّ هذه القدرة يمكن أن تُضمَّن في تشكيلة مناوِرة تشمل أربع بطاريات - إحداها ستملك قوة الطاقة الموجَّهة، واثنتان أُخريان ستملكان توليفة من قدرات المدفعية والصواريخ، أمّا الرابعة فستكون للدعم العام لأولويات الأهداف وتعزيز الجهود الرئيسية في القتال.

وأوضحَ ماكلنتاير أنّ الجيش يتطلّع إلى سلاحٍ بقوة 100 كيلواط لتجهيز منصّة أكبر ضمن حقل «منصّات الإطلاق المتعدّدة المهام» MML، وذلك لتطوير بطارية «قدرة حماية نارية غير مباشرة» تتألف من عناصر جهاز ليزري ومنصّة إطلاق متعدّدة المهام.

استخدمت Raytheon خلال «الاختبار المُدمَج للقوة النارية المناوِرَة» MFIX، الذي أجراه الجيش الأميركي، عربة Polaris MRZR رُكّب أو أُدمج عليها «نظام تهديف متعدّد الأطياف» لتحديد هويّة وتعقُّب أية «عربة جوّية غير آهلة»  UAV
Raytheon تُسقِط المُسيَّرات والعربات الجوّية

فيما يُطّور الجيش الأميركي برامجه لأسلحة الطاقة الموجَّهة، فإنّه يستطلع مختلف الوسائل لاستخدام هذه الطاقة لإسقاط العربات الجوّية غير الآهلة. وكانت شركة «رايثيون» Raytheon قد شاركت قبل سنوات في «الاختبار المُدمَج للقوة النارية المناوِرَة» MFIX الذي أجراه الجيش الأميركي في قاعدة «فورت سيل» Fort Sill بولاية أوكلاهوما، وأسقطت الشركة 45 عربة جوّية من الفئتَين I و II بأنظمة التكنولوجيا الجديدة - جهاز ليزري عالي الطاقة وجهاز مايكروويف بقوةٍ عالية.

وقال إيفان هانت Evan Hunt، «مدير تطوير أعمال» أجهزة الليزر العالية الطاقة» لدى شركة Raytheon، تعليقاً على الاختبار: «إنّ خصومنا، بما في ذلك ذوو التكنولوجيات المتدنِّية المستوى، قد وجدوا وسائل لاستغلال أنظمة العربات المُسيَّرة هذه، وقاموا بتعديلها لكي تُشكِّل تهديداً كبيراً لمقاتِلي وقوات تحالفنا في الخارج. إنّ أجهزة الليزر والمايكروويف العالية الطاقة هي حل مجزٍ من ناحية الكلفة حينما يتعلّق الأمر بمعدّل الكلفة لكلّ اشتباك لأنّها طاقة محض».

واستخدمت Raytheon خلال هذا الاختبار العسكري عربة Polaris MRZR رُكّب أو أُدمج بها «نظام تهديف متعدّد الأطياف» لتحديد هويّة وتعقُّب أية»عربة جوّية غير آهلة»  UAV. ومن ثمّ استخدم النظام جهاز ليزري صُلادي لإسقاط 12 عربة مُسيَّرة وتدمير ستة مقذوفات هاون مُطلَقة من مربضٍ ثابت.

وبما أنّ النظام غير مدمَج بالكامل على عربة MRZR، فإنّه يستخدم بطارية «ليثيوم أيون» لنحو 20 إلى 40 اشتباكاً قبل أن تحتاج إلى إعادة الشحن أو تغييرها بحزمة بطاريات أخرى. وتوقّع هانت في المستقبل أن يُدمَج نظام الليزر العالي الطاقة بالكامل على متن عربة عسكرية حسب الاختيار وأن يُشحَن بالطاقة من خارج المولِّد الكهربائي للعربة. وقال هانت: «بإمكانكُم أن تتصوَّروا تركيب هذا النظام على عربة Stryker حيث سيُدمَج على نحو سلس»، مشيراً إلى أنّ «العربة التكتيكية الخفيفة المشتركة» JLTV ستكون خياراً أيضاً.

كما استخدمت شركة Raytheon خلال تجارب MFIX جهاز مايكروويف عالي الطاقة لإسقاط مجموعة داهِمة من العربات الجوّية غير الآهلة، وثلاث منصّات. وفي الإجمال، جرى تدمير 33 عربة مُسيَّرة أو إسقاطها بقدرة المايكروويف.

وأكّد دونالد سوليفان Donald Sullivan، المدير التقني للهندسة الرئيسية لدى Raytheon، أنّها المرّة الأولى التي تُستَخدم فيها أجهزة المايكروويف العالية الطاقة طوال سلسلة التدمير kill chain بأكملها، وأوضح: «إنّنا اعتمدنا بالفعل على الجيش لأجل الرصد، وتحديد الإحداثيات، ومن ثمّ تعقَّبنا من خلال نظامنا البصري الإلكتروني/الأشعة تحت الحمراء (EO/IR)، وأطبقنا على الأهداف وواصلنا تعقُّبها بصرياً. ومن ثمّ بعد إشارةٍ من مركز قيادة العمليات التكتيكية اشتبكنا معها».

تُواصِل البحريّة الأميركية تطوير أجهزة ليزرية منخفضة الطاقة يمكن مَيْدَنتها على متن «فرقاطة الصواريخ الموجَّهة» FFG(X) الجديدة لديها، على غرار جهاز الليزر العالي الطاقة ونظام «جهاز الإبهار البصري والمراقبة المدمج»  HELIOS. الصورة:Lockheed Martin

وقد أحجمت الشركة عن الإفصاح عن أية معلوماتٍ تقنية إضافية إلّا التأكيد على أنّ الأمداء التي بوسع النظام أنْ يُسقِط فيها عربات جوّية غير آهلة في هجمات داهِمة متتالية هي مهمّة على نحو تكتيكي.

ويزن نظام المايكروويف العالي الطاقة لدى Raytheon حالياً نحو 8,156 كيلوغراماً موضَّب ضمن حاوية بطول 6 أمتار، وهو يشتمل على «عاكِسات توجيهية واتّجاهية» في أعلاه ويعمل بطاقة مولِّد كهربائي ديزلي. واستناداً إلى الاختبار، يُكلِّف إسقاط هجمات متتالية من المُسيِّرات الجوّية «بضعة سنتات في الاشتباك» فقط ويمكن استخدام النظام نحو 5,000 مرّة قبل الحاجة إلى إجراء إصلاحات رئيسية عليه.

وتهدف شركة Raytheon إلى تخفيض حجم النظام ووزنه بشكلٍ كبير، لكنّها امتنعَت عن توضيح إلى أي مدى تودّ أن تُقلِّص أبعاد التكنولوجيا المستخدَمة. وهي تعكف حالياً على تمويل تطوير نظام مايكروويف عالي الطاقة باستثمارٍ بقيمة عدّة ملايين من الدولارات، وأنّ الأمر مرهونٌ بمدى استثمار الجيش الأميركي في هذا التطوير ليتم الإنجاز سريعاً.

أعلنت روسيا عن سلاح ليزري جديد قادر على تدمير الأهداف المعادية على أمداء تصل إلى 5 كلم. الصورة: Rosoboronexport
وقدرة الليزر الجوي

على خطٍّ مُواز لِمَا يُطوِّره الجيش لعرباته البرّية الآهلة، فإنّ سلاح الجو الأميركي يُبدي قليلاً من الحَذَر إزاء التزامه في هذا الاتّجاه. وقال اللواء ويليام غايلر William Gayler، القائد العام لـ «مركز الامتياز الطيراني» لدى الجيش الأميركي في قاعدة «فورت راكر» Fort Rucker، إنّ سلاح الطيران في الجيش يتطلّع بالطبع لاغتنام الفرص في استخدام أسلحة الطاقة الموجَّهة، لكنّه غير مستَعِدّ تماماً لذلك حتى تنضج تلك التكنولوجيا واستبيان إمكانية ترجمتها إلى قدرة على متن منصّة جوّية، ولذلك يتعيّن الانتظار حتى تتبلور الجدوى ومدى القدرة بعد هذا النضج، مؤكِّداً أنّه سيكون هناك عمليات تطوير متواصلة في هذا الحقل ربّما تُثمِر في غضون سنوات قليلة.

في المقابل، تتطلّع الصناعة أيضاً وتتهيَّأ لخططٍ محتملة ترنو إلى إدماج أجهزة ليزرية عالية الطاقة في طائرات عسكرية للجيش. وعلى سبيل المثال، استكملت شركة «سيكورسكي» Sikorsky في الآونة الأخيرة إنتاج طوّافتها الثانية S-97 Raider الموسومة بكونها طوّافة هجوم خفيفة لبرنامج قدرة «النقل العمودي المستقبلي» FVL لدى «البنتاغون»، وقد أطلقت اختبارات أرضية ومن ثمّ أخرى طيرانية.

وأوضح تيم ماليا Tim Malia، المدير الإداري لهذا البرنامج لدى Sikorsky، أنّ الشركة تتطلّع إلى تطوير مؤهِّلات المناولة لدى الطوّافة وتُوسِّع نطاق حزمة قدراتها، فضلاً عن استطلاع خيارات تسليحها، حيث تتوقَّع الشركة أن تكون أسلحة الطاقة الموجَّهة - بما فيها أجهزة الليزر العالية الطاقة - جزءاً من خارطة طريق برنامج FVL. وفيما لا يتَّضِح لدى الجيش ما هو الدور الذي ستؤدِّيه الطاقة الموجَّهة في أسطول طوّافاته، يخطو سلاح البحرية أيضاً خطى مماثلة نحو تطوير طاقة موجَّهة لمنصّاته.

باشرت الصين باستخدام أسلحة الطاقة الموجَّهة الليزرية
Martin وطاقة ليزرية بحريّة

فيما يُمضِي قادة «البحرّية الأميركية» USN و«خَفر السواحل الأميركي» USCG قدُماً في خططهم لتحديد الأسطول البحري، فإنّهم يُفسِحون في المجال أيضاً أمام أسلحة الطاقة الموجَّهة للانضمام إلى جعبتهم من الأسلحة. فالبحريّة تُواصِل تطوير أجهزة ليزرية منخفضة الطاقة يمكن مَيْدَنتها على متن «فرقاطة الصواريخ الموجَّهة» FFG(X) الجديدة لديها. وفي إطار برنامج «نظام سلاح السطح الليزري للبحريّة» SNLWS، ستقوم شركة «لوكهيد مارتن» Lockheed Martin بتطوير وتصنيع وتسليم نظامَيْ سلاحٍ ليزري عالي الطاقة، ضمن عقدٍ تبلغ قيمته 150 مليون دولار يضمّ خيارات قد ترفع إجمالي قيمة العقد إلى نحو 942.8 مليون دولار.

ويجمع جهاز الليزر العالي الطاقة ونظام «جهاز الإبهار البصري والمراقبة المدمج»  HELIOS ثلاث قدرات في سلاحٍ واحد: جهاز ليزري عالي الطاقة مصمَّم للتصدِّي للأنظمة الجوّية غير الآهلة والزوارق الصغيرة؛ وقدرة استشعار و«مراقبة واستخبار واستطلاع»  ISR بعيدة المدى؛ وقدرة إبهار ليزري مضاد للأنظمة الجوّية غير الآهلة». وهو يهدف إلى تأمين وسيلة لمواجهة انتشار التهديدات اللامتماثلة المنخفضة الكلفة والتكنولوجيات الناشئة التي تُمثِّل تحدّيات للبحريّة الأميركية، بحسب ناطقٍ باسم البحريّة.

وكان من المقرَّر أن تُسلِّم Lockheed Martin في العام 2018 وحدتَين اختباريتَين ضمن الدفعة الأولى من برنامج «نظام سلاح السطح الليزري للبحريّة»  SNLWS، واحدةٌ لإدماجها على متن مدمِّرة من فئة Arliegh Burke والأخرى لإجراء اختبارٍ أرضي عليها في ميدان اختبار الصواريخ «وايت ساندس»  White Sands.

بالنسبة إلى سلاح «خفر السواحل الأميركي»، يتمثَّل أحد أهم برامج الاستحواذ لديه في بناء أسطولٍ من السفن الجديدة الكاسحة للجليد القادرة على الملاحة بإذابة المياه الجليدية في الدائرة القطبية. وتعمل روسيا، وكذلك الصين على نطاقٍ أقل، على استغلال التغيُّر المناخي في هذه المنطقة لأغراض النقل العسكري والطاقة. وعلى الرغم من أنّ هذا السلاح ووزارة الدفاع قد تعرَّضا لانتقادٍ شديد بسبب الافتقاد إلى استراتيجية قطبية وافية، فإنّ خفر السواحل يمضي قُدماً في خططٍ لتحقيق منافسة ندّية في تطوير «كاسحة جليد قطبية ثقيلة» Heavy Polar Icebreaker vessel، وهذا ما تتوَّجَ بعقدٍ لهذا الغرض.

وفيما لم يتَّضِح ما إذا كان هذا السلك سيسعى إلى توليفةٍ من كاسحات الألغام الثقيلة والمتوسطة، أو التأكيد على تطوير ست «كاسحات جليد ثقيلة»، فإنّ الحاجة إلى سفينة مزوَّدة بسلاحٍ فعّالٍ مثل جهاز الليزر العالي الطاقة هي في غاية الوضوح.

سلاح الطاقة الموجهة الليزري Dragonfire. الصورة: Leonardo
التمويل ... طاقة موجَّهة

وتبقى هناك مسألة التحدّيات المالية لتطوير مثل هذا السلاح الأقرب بمفاعيله إلى الخيال العلمي، ويسعى القادة في وزارة الدفاع الأميركية إلى الحفاظ على مستويات انبهارهم بأسلحة الطاقة الموجَّهة والتنافُس مع روسيا والصين في هذا المجال، حيث لا بُدّ لهم من أن يُضاعِفوا مستويات التمويل في هذه التكنولوجيا والتنسيق بين جهود مختلف القوات المسلحة.

المدن
تاريخ المقال
العدد
العدد حسب الاشهر
السنة
2021
رقم الصفحة
40

أخر المقالات