سلاح الجو الملكي السعودي يواجه تهديدات متعددة الأبعاد

ينخرط «سلاح الجو الملكي السعودي» في بيئة عملانية شديدة التحدي يتعين فيها التعامل مع تهديدات تقليدية وأخرى لامتماثلة على حد سواء. ويجد «سلاح الجو الملكي السعودي» نفسه في هذا الخضم بينما تشهد الوقائع الاستراتيجية في الشرق الأوسط تغيراً سريعاً. وما يضاعف من دقة الوضع هو أن إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن باتت تسعى إلى انتهاج سياسة شرق أوسطية جديدة تُنبئ بمزيد من التغيير وبحالة من عدم اليقين.

تعتبر المملكة العربية السعودية مركزاً للعالم الإسلامي. فهي تحتضن أقدس مكانين للمسلمين، «مكة المكرمة» و«المدينة المنورة»، ويُعرف العاهل السعودي بلقب «خادم الحرمين الشريفين». أما الموقع الجغرافي للمملكة العربية السعودية، فهو إلى جانب أهميتها الدينية، وثروتها، يجعل منها الدولة الرائدة في العالم العربي.

إدراك التهديدات

من شأن المركزية الاستراتيجية هذه للمملكة العربية السعودية في الشرق الأوسط أن تجعل منها بالفعل هدفاً لفاعلين معادين، وبالتالي تواجه المملكة تهديدات تقليدية وأخرى لامتماثلة على حد سواء. وفيما تتطلع المملكة إلى تحقيق استقرار استراتيجي في أرجاء الشرق الأوسط، يسعى منافسوها إلى نشر حالة من عدم الاستقرار، ومهاجمة حلفاء المملكة وزعزعة أمن البلاد بحد ذاتها. ويُعتبر ضمان الاستقرار ومواجهة أولئك الذين يُشجّعون على الإخلال به بغاية الأهمية في هذه الفترة على وجه الخصوص، إذ تُباشر المملكة العربية السعودية تنفيذ أجندة طموحة من الإصلاحات الداخلية.

التهديد الإيراني

يتمثل التهديد الأساسي للمملكة العربية السعودية في إيران وأدواتها في المنطقة، في ظل توتر شديد بين الدولة الأخيرة وعدد من الدول العربية، حيث يسود اعتقاد بأن إيران تسعى، من خلال حروب الوكالة، إلى تغيير المشهد السياسي في الشرق الأوسط، ما يشكّل تحدياً أساسياً للمملكة العربية السعودية وتهديداً لمصالحها.

وقد انبرت المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة تحت لواء «مجلس التعاون الخليجي» إلى مساعدة الحكومة البحرينية لإخماد ثورة المعارضة في العام 2011، والتي أثيرت شكوك حول تدخل إيراني وراءها. كما أن الإيرانيين ساندوا، منذ العام 2014، القوات الحوثية التي تخوض قتالاً ضد قوات الحكومة اليمنية المدعومة من السعودية في الحرب الأهلية اليمنية، في صراع مرير على الحدود الجنوبية للمملكة العربية السعودية، شهد تدخلاً عسكرياً مباشراً من قِبل المملكة وشركائها الآخرين في «مجلس التعاون الخليجي».

وإضافة إلى ذلك، هناك المنطقة الشرقية في المملكة العربية السعودية التي تكتسب أهمية خاصة من الناحيتين الاستراتيجية والاقتصادية، حيث غالبية السكان من الطائفة الشيعية؛ وثمة هواجس أيضاً أن تثير إيران المشكلات في تلك المنطقة وتسعى إلى الإخلال باستقرارها.

ولا بد في الحديث عن التهديد الإيراني من الإشارة إلى المسألة النووية، والأنباء التي تحدثت عن سعي إيران للحصول على قدرة سلاح نووي، ما يشكّل بالطبع تهديداً وجودياً للمملكة العربية السعودية، ويُحتّم بالتالي على المملكة حصولها على قدرة رادعة من أجل توازن القوى. إنّ سبل حصول المملكة العربية السعودية على هذه القدرة سيُشكّل عاملاً حاسماً للاستقرار الاستراتيجي المستقبلي في المنطقة.

قوة جوية سعودية رادعة!

لطالما التفت «سلاح الجو الملكي السعودي» لأجل الحصول على قدرات قتالية نحو بريطانيا والولايات المتحدة لتلبية احتياجاته. فمنذ العام 1966، اضطرت المملكة العربية السعودية إلى تحديث القدرات القتالية لسلاح جوّها لمواجهة النزاع في اليمن. ونجم عن ذلك برنامج عُرف باسم «البساط السحري» (Magic Carpet) استلمت بموجبه دفعة أولية من ست طائرات HUNTER كإجراء مؤقت، لتليها ست طائرات من طراز LIGHTENING F52 وطائراتان من طراز LIGHTENING T54. وتبعتها لاحقاً 34 مقاتلة LIGHTENING F53K، وست طائرات LIGHTENING T53K، و 25 طائرة تدريب/هجوم خفيف STRIKEMASTER Mk 80..

وفي العام 1985، وافقت بريطانيا على الدفعة الأولى من سلسلة مبيعات أسلحة، عُرفت باسم «اليمامة» Al Yamamah، وضمت 24 مقاتلة TORNADO ADV، و 48 TORNADO IDS و 30 طائرة تدريب HAWK 65 . وفي العام 1993، تمت الموافقة على العقد الثاني من سلسلة Al Yamamah، وشملت بيع المملكة 48 طائرة TORNADO IDS و 20 طائرة تدريب HAWK 65A .

وعقب ذلك شهد «برنامج صيانة مقاتلات Tornado» تحديثاً في قدرات أسطول «سلاح الجو الملكي السعودي» من مقاتلات TORNADO IDS.

ومهد كل ذلك لِـ «مشروع سلام» Salam Project، البالغ قيمته 4.43 مليارات جنيه إسترليني جرى التوقيع عليه في أيلول/سبتمبر العام 2007، وشمل الاستحواذ على 72 مقاتلة «تايفون» TYPHOON، بينها 48 من اشتقاق Tranche 2 و 24 من اشتقاق Tranche 3. ومن ثم استحوذت المملكة العربية السعودية على طائرات التدريب HAWK 165. وبقي ثمة خيار لدفعة مشتريات ثانية شملت 48 مقاتلة Eurofighter Typhoon ولو أن التفاوض بشأنها قد توارى تدريجياً.

كان لدى المملكة خيار لشراء 48 مقاتلة Eurofighter Typhoon لكن التفاوض بشأنها قد توارى تدريجياً

وفي ما يتعلّق ببرامج «سلاح الجو الملكي السعودي» مع الولايات المتحدة، فقد أطلق هذا السلاح في أواخر سبعينات القرن الماضي برنامج «شمس السلام» (Peace Sun) الذي أعقب استحواذه على 72 مقاتلة F-15C و 22 مقاتلة F-15D في مطلع تسعينات القرن المذكور. ومن ثم استحصل «سلاح الجو الملكي السعودي» على 72 مقاتلة F-15S، أي الاشتقاق السعودي من مقاتلة F-15E، بدءاً من منتصف التسعينات فصعوداً.

أما أحدث المشتريات الرئيسية من الولايات المتحدة، فقد قُدرت قيمتها حسب إشعار «وكالة التعاون الأمني الدفاعي للعام 2010» إلى الكونغرس الأميركي بأكثر من 29 مليار دولار، وشملت الاستحواذ على 84 مقاتلة Boeing F-15SA، مجهّزة برادارات صفيف المسح الإلكتروني النشط APG-63(v)3 AESA، إضافة إلى تحديث 70 مقاتلة F-15S إلى مستوى F-15SA، فضلاً عن معدات جوية، وتدريب ودعم.

ويعتمد مستقبل «سلاح الجو الملكي السعودي» بوضوح على مقاتلات F-15SA ومقاتلات TYPHOON. لكن إذا ما وصلت «المقاتلة الضاربة المشتركة» JSF إلى الخليج العربي من خلال برنامج استحواذ الإمارات العربية المتحدة على هذه المقاتلة كما هو مرجح، فإن المملكة العربية السعودية ستتطلع أيضاً إلى الاستحصال على هذا النوع من القدرة الجوية أو تنتظر الاستحواذ على مقاتلات من الجيل السادس.

في غضون ذلك، يندرج ضمن الاعتبارات الرئيسية لدى «سلاح الجو الملكي السعودي» الحصول على قدرات محسنة لرصد الأهداف والاشتباك معها، تسمح بالاستخدام الفعّال للأسلحة التباعدية من أجل تدمير الأهداف الأرضية وخفض التهديدات التي تتعرض لها المقاتلات المهاجمة.

تجدر الإشارة إلى أنه عندما رفض مجلس الشيوخ الأميركي الطلب الإماراتي لشراء مقاتلات F-15، انتقل هذا الطلب فوراً إلى فرنسا لشراء مقاتلات «يوروفايتر» Eurofighter.

شهد «برنامج صيانة مقاتلات Tornado» تحديثاً في قدرات أسطول «سلاح الجو الملكي السعودي» من مقاتلات TORNADO IDS

وأظهرت العمليات في اليمن المخاطر التي تُواجه المقاتلات في مهام الهجوم الأرضي، وقد فشلت بالتالي أنظمة «العربات الجوية غير الآهلة» (UAV) في أن تستبدل أو تكمّل بشكل واف الطائرات الآهلة في تلك المهام.

وثمة حاجة أيضاً لتحسين القدرات من ناحية مهام الدفاع الجوي، وليس فقط ضد الطائرات الآهلة. فقد استخدم أعداء المملكة أنظمة مسيّرات جوية§ UAV لمهاجمة أهداف بنية تحتية حساسة، على غرار منشآت صناعة النفط والمطارات. وقد شُنّت الهجمات على مستوى عربات UAV متعددة، وربما تتوسع في المستقبل لتشمل أيضاً الهجمات المكثفة الشاملة (swarm attacks) بتلك العربات.

ويكمن التحدي أساساً أمام «سلاح الجو الملكي السعودي» في مواصلة تحسين جودة كفايته في القتال الجوي. فمجرد الاستحواذ على مزيد من المقاتلات ليس مقياساً للنجاح. ومما يُشكّل اختباراً جدّياً للمملكة العربية السعودية و«سلاح الجو الملكي السعودي» هو أن مستقبل منطقة الخليج ليس واضح الأفق من الناحية الاستراتيجية، ويُثير تحدياً لقدرات «القوة الناعمة» للمملكة العربية السعودية وقدرات الردع لدى «سلاح الجو الملكي السعودي».^

طائرة Antonov_An-178
الشركات
تاريخ المقال
العدد
العدد حسب الاشهر
السنة
2024
رقم الصفحة
36

أخر المقالات